الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.. انسحاب أم تخفيض؟

كريترنيوز /متابعات /عبدالله رجا/دمشق/رويترز
تداولت تقارير إعلامية خلال اليومين الماضيين معلومات تفيد ببدء القوات الأمريكية تنفيذ انسحابات من بعض مواقعها في سوريا، وتحديداً من المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات، التي تندرج ضمن مناطق الإدارة الذاتية التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وقد استندت هذه التقارير إلى حركة لافتة من الانسحاب المنظم والمكثف لبعض الوحدات الأمريكية من عدد من القواعد العسكرية المنتشرة في تلك المنطقة. توزّع القوات الأمريكية في سوريا يشمل حالياً نحو 30 قاعدة ونقطة تمركز، 29 منها تقع في شرق الفرات.
ضمن مناطق نفوذ «قسد»، فيما تتركز القاعدة الوحيدة خارج هذا النطاق في منطقة التنف، الواقعة جنوب شرق البلاد على مثلث الحدود بين سوريا والعراق والأردن. وقد لعبت قاعدة التنف دوراً استراتيجياً في السياسات الأمريكية الإقليمية، خاصة في إطار مراقبة خطوط الإمداد البرية بين طهران وبيروت.
تخفيض
ورغم التهويل الإعلامي الذي رافق الحديث عن «انسحاب»، جاءت توضيحات رسمية وشبه رسمية لاحقة لتضع هذه التحركات العسكرية في سياقها الواقعي، مؤكدة أن ما يجري هو تخفيض جزئي في عدد القوات، وليس انسحاباً شاملاً أو نهائياً.
وقد ترك هذا التوضيح الباب مفتوحاً أمام تساؤلات حول دقة حجم هذا التخفيض وطبيعته، لاسيما في ظل غياب إعلان رسمي من وزارة الدفاع الأمريكية بشأن أي خطة جديدة لإعادة الانتشار أو الانسحاب. من الجدير بالذكر أن عدد القوات الأمريكية في سوريا شهد تحولات دراماتيكية في السنوات الماضية.
ففي عام 2019، اتخذ الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، قراراً مفاجئاً بالانسحاب الكامل من سوريا، ما أثار عاصفة سياسية في واشنطن، وأدى إلى تراجع جزئي عن القرار بفعل ضغط الكونغرس ودوائر الاستخبارات والإعلام الأمريكي. ونتيجة لذلك، انخفضت القوات الأمريكية من حوالي 2500 جندي إلى نحو 200 فقط، قبل أن تعاود الارتفاع مجدداً في عهد الرئيس جو بايدن، لتصل حالياً إلى ما يقارب ألف جندي.
توترات
عقب تصاعد التوترات الإقليمية لا سيما بعد اندلاع الحرب في غزة، تعرضت القواعد الأمريكية في سوريا والعراق لسلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة، وأمام هذا الواقع الأمني، اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية إلى المفاضلة بين خيارين
: إما الانسحاب الوقائي، أو تعزيز الوجود العسكري لردع الهجمات، فاختارت الخيار الثاني، ليرتفع عدد الجنود الأمريكيين مجدداً ليتجاوز حاجز الألفين، وإن كان دون استراتيجية نهائية واضحة.
لكن يبدو أن واشنطن عادت لبحث خيار تخفيض القوات مجدداً، مع ترجيحات بأن ينخفض عدد الجنود إلى ما دون الألف في الأشهر المقبلة.
وحتى الآن، لا يوجد أي إعلان رسمي عن خطة انسحاب شامل، رغم وجود مثل هذه السيناريوهات ضمن الخطط الاحتياطية طويلة الأجل لدى وزارة الدفاع الأمريكية، إلا أنها ما زالت خارج أجندة التطبيق الفعلي، في ظل غياب تسوية إقليمية كبرى تُنهي عقدين من الصراعات المتداخلة والمعقدة في الشرق الأوسط.
خطر أمني
من الزاوية الجيوسياسية، لا تزال القوات الأمريكية ترى في وجودها في سوريا ضرورة تندرج في إطار مواجهة عودة تنظيم داعش، الذي كثّف من نشاطه في الآونة الأخيرة، خصوصاً في منطقة البادية السورية الممتدة شرق البلاد وصولاً إلى مشارف دمشق.
كما وردت تقارير استخباراتية غربية عن تحركات جديدة للتنظيم داخل بعض مناطق «قسد»، مما يُعيد للأذهان خطر انتكاسة أمنية محتملة في حال غياب مظلة عسكرية قادرة على التدخل الفوري.
فضلاً عن ذلك، فإن حالة السيولة الإقليمية المحيطة بالملف السوري، من تعثر بعض المسارات السياسية إلى هشاشة الترتيبات الأمنية في أكثر من منطقة تماس، تجعل الانسحاب المفاجئ خياراً محفوفاً بالمخاطر لحلفاء واشنطن، سواء على مستوى الوضع المحلي في سوريا، أو على مستوى التوازنات الإقليمية، خاصة مع وجود قوى إقليمية ودولية جاهزة لملء أي فراغ أمني ينشأ عن تقليص الدور الأمريكي.