دمشق و«قسد».. خلافات سياسية تهدد التوافقات الأمنية

كريترنيوز /متابعات /عبدالله رجا/دمشق
رفضت حكومة دمشق وثيقة أصدرتها القوى السياسية الكردية في سوريا تحت عنوان «وحدة الصف الكردي»، وهي وثيقة جاءت ثمرة مؤتمر واسع شاركت فيه معظم الأحزاب والقوى الكردية، في أوسع تمثيل سياسي لهم منذ تأسيس تجمعاتهم السياسية عام 2013.
الوثيقة الكردية تضمنت رؤية للحل السياسي في سوريا، شملت الدعوة إلى بناء دولة سورية جامعة لكل مكوناتها القومية والدينية والاجتماعية، مع الإقرار بضرورة الاعتراف بكافة هذه المكونات ضمن الوطن السوري. غير أن الوثيقة، في شقها المتعلق بالقضية القومية الكردية، دعت إلى اعتماد نظام اللامركزية، دون أن تحدد بشكل واضح ما إذا كانت تدعو إلى لامركزية سياسية أو لامركزية إدارية، مما ترك مجالاً واسعاً للتأويل والاختلاف في الفهم، وبشكل أثار حفيظة دمشق.
وبعيداً عن تفاصيل الوثيقة الكردية وكذلك عن بيان الرفض الرسمي الذي صدر عن دمشق لمخرجات هذا المؤتمر الكردي، فإن حالة التفاؤل السياسي التي كانت قد أعقبت توقيع الاتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في 10 مارس الماضي، بدأت تدخل في مرحلة من الشك والارتباك.
فعلى أرض الواقع، شهدت البلاد خطوات متناقضة؛ فمن جهة، تم تسجيل توافقات متقدمة في المجال الأمني، مثل التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في منطقة سد تشرين بين بعض الفصائل السورية وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» بدعم واضح من حكومة دمشق، كما تم التوصل إلى اتفاق إداري بشأن إدارة الأحياء الكردية في مدينة حلب. كذلك لا تزال المفاوضات مستمرة بين الجانبين حول ملفات أخرى مهمة، تتعلق بعودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية، بما في ذلك مناطق حساسة مثل عفرين ورأس العين.
مسارات متباينة
في المقابل، وعلى الجانب السياسي، تسير الأمور في مسارات متباينة ومتناقضة! حيث صدر الإعلان الدستوري بعد اتفاق «الشرع – عبدي» بثلاثة أيام فقط، وقوبل برفض صريح من جانب الإدارة الذاتية والقوى السياسية المنضوية تحت لوائها، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية، ثم تبع الإعلان الدستوري صدور تشكيل الحكومة الجديدة والبيان الوزاري المرتبط بها، اللذين واجها بدورهما رفضاً واضحاً من نفس القوى السياسية في شرق الفرات.
وترى هذه القوى، وفقاً لما جاء في بياناتها وتصريحاتها، أن الرؤية السياسية التي قدمتها الحكومة السورية الجديدة لم تعكس مضمون وروح الاتفاق الرئيسي بين الشرع وعبدي، بل تجاهلت التفاهمات الجوهرية التي شكلت قاعدة هذا الاتفاق.
أزمة داخلية
إن هذا التباين السياسي العميق مرشح إلى أن يتطور إلى أزمة داخلية، بين الحكومة المركزية في دمشق وأقوى جناح سياسي وعسكري غير ممثل حالياً في الحكومة، وهو الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية «قسد». فبالنسبة للأخيرة، يعتبر اتفاق «الشرع – عبدي» بمثابة الإطار السياسي الأساسي الذي ينبغي أن يستند إليه أي تواصل أو مفاوضات مستقبلية مع دمشق، في حين يبدو أن الحكومة السورية تتعامل مع القضية الكردية بوصفها مسألة يمكن تأجيل البت فيها إلى مراحل لاحقة، بعد تثبيت أولويات أخرى.
توافقات مهددة
وفي حال استمرار هذا الافتراق بين الجانبين، وعدم العودة إلى أجواء التفاهمات التي سادت خلال الأسابيع الماضية، فإن التوافقات الداخلية السورية ستكون مهددة بشكل خطير. فالهدوء النسبي الذي ساد بين دمشق والإدارة الذاتية خلال الفترة الماضية كان عاملاً محورياً في تعزيز استقرار الأوضاع داخل سوريا، ومنع انهيار مناطق واسعة في ظل التحديات المتعددة. كما أن هذا الهدوء حرم القوى المتربصة وفلول النظام السابق من استغلال الفجوات والخلافات بين دمشق و«قسد».
والمشكلة تتعاظم بسبب التداخلات الدولية المعقدة في الملف السوري، إذ إن وقوع أي توترات خطيرة بين دمشق والإدارة الذاتية قد يدفع نحو تدخلات دولية أكبر.
تجدر الإشارة هنا إلى أن القوات الأمريكية لا تزال تحتفظ بوجودها العسكري في عدة قواعد في مناطق شمال وشرق سوريا، وأن التخفيض الأخير في عدد هذه القوات لم يترافق مع تحديد أي جدول زمني واضح للانسحاب الكامل منها، ما يعني أنها قد تبقى لفترة طويلة قادمة، خصوصاً إذا استمرت التهديدات الناجمة عن نشاط تنظيم داعش، الذي كثف عملياته العسكرية مؤخراً ونفذ هجمات استهدفت جنوداً تابعين للجيش السوري.