عربية

حرب غزة.. تعاظم أهوال وتضاؤل أمل

الإمارات تنبري وتوقد شمعة اخترقت حجب الظلام.. وفارسها الشهم يمطر القطاع إغاثات

كريترنيوز /متابعات /أنس مأمون/دبي

غزة تموت.. الكل يتفرج.. وإسرائيل في الغَيّ سادرة.. يستصرخ الملايين عالماً سليب الإرادة، خائر القوى، منزوع الحيل، متوارى الضمير.. وحدها أمريكا محدد الوجهة ومقرر المصير، لا هدنة دون رضاها أو بغير مباركتها، توافق يحقق سلاماً أو يرسخ استقرار منطقة تتلظى على الصفيح منذ عقود.
ووُري 61 ألفاً الثرى، وأكثر من الضعف جرحى في أقل من عامين.. ضاقت الأرض بالملايين فهاموا على الوجوه بلا مقصد، لا القلق أسمن، أو التنديد أغنى من جوع، القاصي والداني يعلمان كلاهما إلى أين وصل القطاع.. خوف ونزوح، وموت يوزع في الطرقات دون وازع.
يشاهد العالم كل يوم وعلى مسرح الموت الكبير المدنيين يتساقطون كما العصافير، ولاستحقاق وقف الحرب ليس من يقول: أنا! .. «أنا» إسرائيل تتضخم كلما لمست في المجتمع الدولي وهناً وضمور عزيمة، أمَا مِنْ أحد قادر على لجم بطشها ذات اليمين تارة والشمال تارات، ومنقذ لقطاع بائس يائس من مطرقة نزوح وسندان غارات؟ تنهمر الأسئلة على «لا مجيب».
تمضي إسرائيل غير عابئة في كثيف غاراتها ومبيت ثاراتها، تلتهم ما لذ وطاب من قطاع أو ضفة، تدوس دون اكتراث على كل ما اعتُرف عليه بين الأمم من مواثيق، مطمئنة حد التبجح إلى حليف لا يخذل، ونصير لا يضن بمتحيز موقف أو فتاك سلاح.. يتبارى سياسيوه وتتدافع مؤسساته للدعم في كل مضمار ومحفل أممي.
ومع انفضاض سامر المتفاوضين مطاردي الهدنة من أطراف ووسطاء دون نتائج، لا تلوح في الأفق من بوادر انفراج، بعد أن حزم الكل الأمتعة وعاد الأدراج، فيما ألقى كل طرف بعار الفشل على غريمه، إسرائيل ترى تنصل «حماس» من مقترح ويتكوف، والحركة تخشى عودة الحرب بعد التجريد من رابح ورقة الرهائن..

لقد جرت «حماس» غير مكترثة الويلات على أبرياء عزل ما اقترفوا ذنباً أو ارتكبوا كبيرة توازي كبائر من بهم قد حاق، أدخل تهورها القطاع دهاليز مجهولٍ ومظلمَ نفقٍ.

يسبح نتنياهو عكس تيار التسوية، مفضلاً بدائل لم يسمها لاستعادة مواطنيه، بل وتختمر في عقله أفكار إنهاء المهمة والتخلص من هاجس، ولا يخفي ما يعتمل في الدواخل من نوايا لاحتلال القطاع، غير عابئ بما أبدت أجهزته الأمنية من مخاوف وما أطلقت من جِديّ محاذير.
يطمع نتنياهو في كل شيء.. ولا تنازل عن شيء، ضم ضفة وتركيع قطاع وربما ابتلاعه ولا تبارح مخيلته أحلام التهجير، لا يقض المضاجع سوى حراك غربي يلوح بالاعتراف صراحة، اعترافٌ بدولة فلسطين وما سبتمبر ببعيد، رؤية من شأنها حال صدق مطلقوها ورعاتها إلقاء أكبر حجر في بركة حل الدولتين الراكدة.
صمت العالم دهراً ونطق بعض كباره في آخر المطاف كفراً بنظر إسرائيل التي تفجر غضبها، واستُثيرت فيها الحفيظة، إذ كيف يجرؤ أحد ومهما علا مكانه وتسامى شأنه على تجاوز الخط الأحمر.
والتلويح علناً بقرب اعتراف بدولة فلسطينية لم تجد وطوال تاريخها على أجندة المجتمع الدولي وطاولاته من مكان؟ لأول مرة ربما ترى إسرائيل في الأوروبيين بأساً أرعب قادتها، فيما ترتعد الفرائص منها إزاء خطوة كبرى ستقلب الأمور حال تبنيها رأساً على عقب.

هل أحيت مأساة غزة حل الدولتين من موات؟، ضُيّق الخناق وانفتحت على إسرائيل أبواب جحيم، حسم كثيرون مؤثرون الموقف وحزموا الأمر، فرنسا وبريطانيا تقودان قاطرة تقل 16 دولة شعارها التسوية ووجهتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لقد ضِيق ذرعاً بصراع مزمن مرير ما تركت عاصمتا القرار له من أفق حل.
ومع القتامة التي تتلبس واقع غزة ثمة مسارب ضوء تخترق حجب الظلام، لقد انبرت الإمارات «شريان حياة» يطعم.. يؤوي ويداوي الجراح، إذ اعتلى فارسها الشهم صهوة جواده يمطر الجياع إغاثات، فيما تتلاحق شاحناته المُثقلة بكل معين إلى القطاع عبر رفح.
لقد عبّد وفير المروءة الطريق فسيحاً لعديد دول لحقت بركب إسقاط المساعدات.. الأردن ومصر.. وفرنسا وألمانيا وغيرها أُخر.

جسدت الإمارات راسخ التزامها واقعاً يذهب رهق الناس.. مشروعات ومبادرات إغاثة متكاملة.. الغذاء والأدوية ومعاول تبني المستشفيات ومحطات المياه، بما ينقذ أرواح ويوفر مقومات بقاء تخفف تداعيات كارثة، بل ويعكس رؤى إنسانية منطلقها بعد أخلاقي وسياسي في آن.
تتقاطر سفن الإمارات إلى القطاع دون انقطاع، آخرها «سفينة خليفة» تحمل 7166 طناً من المساعدات بما يوصل المجمل إلى ما يفوق 80 ألفاً، في حين أمطرت «طيور الخير» أهالي غزة بـ64 إنزالاً أسقطت 3851 طناً من الإغاثات.
لن تُنسى غزة قطعاً في عزّ محنتها وحالك ليلها، أو يستكان لما يحاك ويدبر من أجل سلب الحقوق وتصفية قضية فلسطينية ظلت وعلى مر تاريخها رمز الإنسانية وضميرها الحي وبوصلة العدالة عند كل حر ومنصف، العالم أمام الاختبار، فليفعّل إذاً قوله وفعله معاً، قول وفعل ينبغي أن يتناهيا إلى مسامع إسرائيل: «الفلسطينيون يستحقون الحياة».

زر الذهاب إلى الأعلى