عربية

غزة.. نهاية الكابوس وبداية العمل الشاق

لحظة حبس فيها التاريخ أنفاسه بعد 733 يوماً من الحرب

كريترنيوز/ متابعات /ليلى بن هدنة

مع دخول العام الثالث من حرب الإبادة والتجويع، حقق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اختراقاً طال انتظاره بالتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة، حيث شهد العالم لحظة تاريخية تجسد انتصار إرادة السلام على منطق الحرب.

 

لا شك في أن قبول إسرائيل و«حماس» باتفاق يحظى بدعم سياسي من دول عربية وقوى إقليمية، يعد مؤشراً على انتهاء كابوس الحرب وليس مجرد هدنة قصيرة الأجل. سيظل هذا الاتفاق «لحظة حبس فيها التاريخ أنفاسه»، إلا أن هناك قضايا عديدة عالقة تحتاج إلى نقاش مطول، وعمل شاق.

 

الاتفاق لا ينهي المعركة مع إسرائيل، بل يمثل خطوة مهمة نحو تثبيت حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها رفع الحصار عن غزة، والإفراج عن الأسرى، وتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والعودة.

فخطة السلام المكونة من 20 بنداً التي اقترحتها إدارة ترامب تحاول إيجاد توازن دقيق بين تهيئة الظروف لوقف إطلاق النار والتفاوض على تسوية دائمة للحرب، حيث إن الإدارة الأمريكية لم تعد قادرة على تجاهل التداعيات الإنسانية لحرب غزة، فاستعمل ترامب مع الطرفين وصفة العلاج بالصدمة.

 

فقد نفد صبره وانزعج من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وما كان أمام الأخير سوى الانخراط في العملية وقبولها ولو على مضض، كما هدد «حماس» بـ«القضاء عليها تماماً»، وتعرضت الحركة لضغوط شديدة أيضاً أجبرتها على قبول الاتفاق جزئياً والدخول في مفاوضات شرم الشيخ.

 

 

غموض

على الرغم أن تفاصيل الاتفاق وتسلسل خطواته لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة لا تزال غامضة، فإن اتفاق الطرفين يُعد خطوة ذات مغزى. علماً أن الاتفاق يضع أولوية قصوى لمسألة الأسرى والمحتجزين، والتي يعتبرها الرئيس الأمريكي حجر الزاوية للانطلاق نحو المراحل اللاحقة.

لكن الغموض حول المرحلة الثانية يثير تساؤلات حول هل سيلتزم الجانبان بالنفس الطويل، علماً أن الاتفاق الذي أعلنه ترامب في وقت متأخر من مساء الأربعاء جاء خالياً من التفاصيل.

 

وترك أسئلة كثيرة دون حل، كما حدث مع محاولات السلام السابقة. حيث نجد أن هناك غياباً للضمانات الحقيقية بشأن التزام ترامب وإسرائيل بالاتفاقات واحتمالية نقضها لاحقاً.

 

فبينما تتحدث الخطة عن انسحاب إسرائيلي تدريجي، إلا أنها تتيح للقوات الإسرائيلية البقاء في محيط أمني داخل غزة، وهو ما يعني بالنسبة للفلسطينيين استمرار الحصار، علماً أن البند الأكثر أهمية بالنسبة لحركة «حماس» يتمثل في الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع باعتباره شرطاً أساسياً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، في الوقت ذاته يبقى بند تسليم «حماس» أسلحتها «كلياً والخروج من غزة شرطاً إسرائيلياً لم تفصل فيه «حماس» لحد الآن، وقد ردت على خطة ترامب بالقبول الجزئي ولم تذكر نزع السلاح.

الخط الأصفر

 

تم الاتفاق على أن يكون الانسحاب الإسرائيلي حتى «الخط الأصفر» وفق خطة ترامب، ما يُبقي جيش الإسرائيلي داخل مساحة تقدر بنحو 52 % من أراضي قطاع غزة، بشكل مرحلي. وتعهد الوسطاء بالضغط على إسرائيل للانسحاب من مناطق إضافية خلال مراحل تنفيذ الاتفاق، مع استمرار التفاوض بعد انتهاء المرحلة الأولى..

وربما أدرك ترامب أن هذه الأمور من الملفات الخلافية، ولذلك أشار إلى أن هذه المسائل ستترك لمرحلة لاحقة من المفاوضات. وتظهر التحركات الأخيرة عن أن دوافع ترامب تتجاوز مجرد حسابات السياسة الخارجية، إذ يبرز البعد الشخصي في رغبته بأن يُسجّل كبطل للسلام وينال التكريم الدولي، لكن ليس هذه السنة فالتقييم يقاس بإنجازات 2024.

 

وبيَّنت المصادر أنه فيما يتعلق بتسليم المحتجزين الإسرائيليين، وافقت «حماس» على «حل وسط» تقدم به الوسطاء بشأن تسليم جثث الأموات، بأن تشارك فرق من عدة دول منها مصر والولايات المتحدة وتركيا، في عملية البحث عن الجثث وتحديد أماكنها. وقالت المصادر إن الوفد الإسرائيلي وافق بعد مشاورات أجراها مع نتانياهو على ذلك، فيما لم تعارض «حماس» ووفد الفصائل المشارك بالمفاوضات مثل هذه الخطوة.

 

ويضمن الاتفاق في مرحلته الأولى دخول المساعدات بشكل كبير، من خلال السماح بـ400 شاحنة يومياً في الأسبوع الأول، ثم يزيد العدد تدريجياً ليصل إلى نحو 800 وربما أكثر يومياً، ومن عدة معابر ومنافذ برية فتحتها إسرائيل خلال الحرب.

ولا يقدم الاتفاق حتى الآن إجابات عن أسئلة أساس، منها ما إذا كانت غزة ستعلن منطقة «منزوعة السلاح» كما نصت خطة ترمب بوضوح، ومن الجهة التي ستتولى إدارة القطاع في المديين القصير والطويل.

أو إن كان هذا المسار سيمهد في النهاية لقيام دولة فلسطينية. يخشى الفلسطينيون من تكرار التجربة نفسها التي حصلت خلال الاتفاق السابق المبرم في الدوحة في يناير الماضي، والذي تنصلت منه إسرائيل في مارس من العام نفسه. ونص اتفاق يناير 2025 على هدنة مؤقتة بدأت صباح 19 من نفس الشهر.

 

وتتضمن تبادل أسرى وتخفيفاً إنسانياً وترتيبات ميدانية محدودة كمرحلة أولى، على أن يبدأ خلالها التفاوض على المرحلتين الثانية والثالثة اللتين تضمنان إنهاء ملف التبادل وترتيبات اليوم التالي للحرب وإعادة الإعمار. لكن إسرائيل انتهكت المرحلة الأولى مع تبادل اتهامات بشأن قوائم المفرج عنهم وتسلسل التسليم، ومن ثم عادت إلى الحرب مجدداً.

 

المرحلة الثانية

عمليات التفاوض بشأن أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، ستستمر بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، كما تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية فور انتهاء عمليات تبادل الأسرى وما يرافقها من خطوات شاقة ويمكن طويلة، للوصول إلى اتفاق سلام نهائي.

ويجب حسب عدد من المحللين ألّا يقتصر الاتفاق على وقفٍ مؤقت للهجمات أو مجرد خفض وتيرتها والسماح بدخول كمية ضئيلة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بل عليه أن يُفضي إلى إنهاء جميع الأعمال القتالية ورفع الحصار بالكامل.

 

وتدفق الإمدادات الأساسية بما يشمل الغذاء والدواء والوقود ومواد إعادة الإعمار، بلا قيود، ويجب أن يتزامن ذلك مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والتحرك العاجل لإعادة إعمار وترميم البنى التحتية الأساسية في جميع أنحاء القطاع.

 

فرغم تعدد المؤشرات التي توحي بأن نهاية النزاع باتت أقرب من أي وقت مضى، فإن الطريق لا يزال محفوفاً بعقبات قد تجعل من خطة ترامب تجربة أخرى تنضم إلى أرشيف المحاولات الفاشلة لإنهاء سلسلة الحروب الممتدة. لكن ترامب حريص هذه المرة على تفادي أية هفوة والعمل على إنجاح خطته بالوعيد والتهديد.

ولكن يجب أن يشكل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بداية لتحقيق السلام في المنطقة، وبداية لحل سياسي قائم على حل الدولتين. ومع استمرار دعم الوسطاء والمجتمع الدولي، يبقى الأمل في أن يشكل الاتفاق بداية لعهد جديد من التهدئة وإعادة الإعمار في غزة

زر الذهاب إلى الأعلى