«الدمج والهيكلة».. معضلة تهدد استقرار سوريا

كريترنيوز /متابعات/ البيان /عبدالله رجا
أثمر اللقاء الذي جرى بين وفد حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الأسبوع الماضي، كسر حالة الجمود والتوتر في عدد من مناطق التماس بأثر فوري، لكن عادت حالة الاستنفار مجدداً مع قرار إغلاق المعابر المشتركة مجدداً، من بينها المعبر الرئيسي لتنقل السكان بين المنطقتين بين محافظتي الرقة وحلب، الأمر الذي أفرغ بعض التفاؤل الذي أعقب اجتماع دمشق برعاية أمريكية، حيث شارك كل من المبعوث الأمريكي توم باراك وقائد القيادة المركزية الأمريكية براد كوبر.
وجود باراك وكوبر في الاجتماع يعكس إدراك واشنطن لحساسية هذه اللحظة. فالولايات المتحدة، التي تدرك أن قدرتها على ضبط المشهد في شمال وشرق سوريا ليست بلا سقف، تسعى إلى إدارة التناقضات تمهيداً للحل، وهي الطريقة الأمريكية المعتادة. فهي لا تريد انهيار الترتيبات القائمة مع «قسد»، ولذلك، فإن اللقاء حمل طابع «الضبط المتبادل» أكثر من كونه خطوة نحو تسوية سياسية شاملة.
أبرز ما دار في المحادثات بين دمشق و«قسد» تمحور حول تفسير بند الاندماج العسكري الوارد في اتفاق العاشر من مارس بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي. بالنسبة إلى دمشق، فإن «الاندماج» يعني نزع أي سلطة عسكرية مستقلة خارج إطار المؤسسة العسكرية المركزية، وحل «قسد» ككتلة مقاتلة لها قيادة وهيكل، وهو يعكس نموذج الدولة المركزية، حيث أعلنت قيادة «قسد» التوصل إلى «اتفاق مبدئي» مع السلطات السورية حول آلية دمج قواته ضمن وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين.
ترى «قسد» الاندماج بوصفه شراكة ميدانية وتنظيمية مع الجيش السوري، مع احتفاظها بمناطق انتشارها، هذا التباين لا يرتبط بمسألة عسكرية فحسب، بل يمس جوهر التصورين المختلفين لمستقبل الدولة السورية: مركزية في رؤية دمشق، مقابل صيغة لا مركزية بحكم الأمر الواقع في تصور «قسد».
رغم ذلك، بدا من تصريحات المبعوث الأمريكي أن مهلة تطبيق الاتفاق (المحددة حتى نهاية العام الحالي) قابلة للتمديد لأن الملفات المرتبطة بالاتفاق كثيرة جداً وتحتاج إلى لجان متعددة ومفاوضات شاقة، من التعليم إلى الأمن الداخلي وصولاً إلى المعابر والثروات والقوات العسكرية.
وتعبر تصريحات باراك عن استراتيجية أمريكية مألوفة: إطالة عمر المعادلات القائمة وتأجيل لحظة الحسم. فملفات التعليم، والأمن الداخلي، والمعابر، والثروات، والترتيبات العسكرية، هي لب الصراع على السلطة والموارد. والولايات المتحدة، عبر هذه المهلة المرنة، تمنح نفسها هامشاً أوسع للمناورة بين الطرفين، وتمنع أي طرف من حسم المعادلة لمصلحته.
إلى ذلك الحين، من غير المرجح أن تفضي هذه التفاهمات إلى مسار مستقر ما لم تحسم معضلة «الاندماج والسيادة» بتفاهم سياسي صلب. وإذا لم يتم ذلك، فإن خطوط التماس ستبقى عرضة للتصعيد المفاجئ.
السيناريو الأول: إطالة التفاوض مع بناء ترتيبات جزئية على الأرض، تضمن شكلاً من «التعايش الأمني» بين «قسد» والجيش السوري، بغطاء أمريكي.
السيناريو الثاني: انهيار التفاهمات الشفهية ودخول العلاقة في مرحلة شد حبل مفتوح، خصوصاً إذا تمسك كل طرف بتفسيره الأحادي لمفهوم الاندماج.
السيناريو الثالث: صياغة «صفقة ميدانية» بوساطة أمريكية، تعيد رسم خطوط النفوذ مع إلغاء حالة الندية بين المركز والأطراف وتبعية كل الأراضي السورية إلى دمشق بشكل مباشر، لكن بصيغ عسكرية ملائمة للسلام والاستقرار