الظل يدير وزارة دفاع مليشيات الحوثي في غياب أبرز قادتها

كريترنيوز/خاص
تعيش المنظومة العسكرية لدى المليشيات الحوثية في اليمن حالة غير مسبوقة من الارتباك، بعد خروج اثنين من أكثر رجالها تأثيرًا من المشهد: رئيس الأركان المعيَّن حديثًا يوسف المداني، ووزير الدفاع محمد ناصر العاطفي. ورغم الضجيج الإعلامي الذي تحاول الجماعة ضخه عبر بيانات معدّة سلفًا، تأتي الإشارات الميدانية والسياسية لتقول شيئًا آخر: هناك فراغ حقيقي ينعكس على طريقة اتخاذ القرار، وعلى خارطة النفوذ داخل المؤسسة العسكرية.
بدأت القصة حين عُيّن المداني في 16 أكتوبر خلفًا لمحمد عبدالكريم الغماري، الذي قُتل مع ابنه وعدد من مرافقيه في الضربات الإسرائيلية أواخر أغسطس. ورغم مضي فترة على التعيين، تؤكد مصادر أنه لم يستلم مهامه فعليًا، فيما يشير مصدر أمني إلى أن عملية التسليم نفسها لم تبدأ. مصدر آخر يستبعد أن يتمكن الرجل من مباشرة عمله «في المدى القريب». وعلى امتداد الفترة الماضية، لم يظهر المداني في أي مناسبة عامة؛ وحدها البيانات المكتوبة كانت تخرج باسمه، وكأن حضوره الفعلي لم يعد ضروريًا.
في المقابل، تبدو صورة وزير الدفاع محمد ناصر العاطفي أكثر تعقيدًا. فالمصادر الدفاعية تؤكد أنه ما يزال يتلقى العلاج بعد إصابته في الضربات ذاتها، وأن حالته «غير مستقرة»، فيما تفيد معلومات موثوقة بأن إحدى قدميه بُترت. ورغم خطورة وضعه، تواصل وسائل إعلام الجماعة بثّ بيانات تحمل توقيعه، بينما اختفى الرجل عن المشهد منذ مايو الماضي. هذا التناقض بين الواقع والمعلن يكشف ميل الجماعة إلى تغليف الأزمة بدل الاعتراف بها.
هذا الغياب المزدوج على رأس وزارة الدفاع لم يترك فراغًا فحسب، بل فتح الباب أمام إدارة موازية يقودها «رجال ظل» غير معروفين، يتولّون الملفات الحساسة بعيدًا عن أي واجهة رسمية. وتشير مصادر مطلعة إلى أن مهام رئيس الأركان يجري التعامل معها عبر أشخاص يفضّلون البقاء خارج الضوء، في أسلوب تتبعه الجماعة كلما تزعزعت توازناتها الداخلية.
بدل الدفع بشخصيات بديلة إلى العلن، فضّلت القيادة الحوثية نقل أجزاء من السلطة إلى رجال أكثر ارتباطًا بالدوائر الجهادية. يؤكد مصدر مطلع أن «المكتب الجهادي» — وهو مركز القرار الحقيقي — أصدر توجيهات بتسليم معسكرات ومنشآت في صعدة، خصوصًا في منطقة مذاب، إلى القيادي جميل يحيى زرعة، قائد المنطقة العسكرية السادسة. هذا التحرك لا يقتصر على ملء الفراغ؛ إنه إعادة توزيع حقيقية للصلاحيات على أساس الثقة الأيديولوجية والقرابة المضمونة.
السؤال الذي يبرز هنا: هل هو ترتيب مؤقت بانتظار عودة المداني والعاطفي؟ أم إعادة رسم دائمة لخارطة النفوذ؟
في تجارب الحوثيين، ما يبدو حلًا مؤقتًا غالبًا ما يتحول إلى قاعدة ثابتة، خاصة حين يأتي في لحظة اضطراب تفرضها ضربات خارجية أصابت رأس الهرم السياسي والعسكري.
المداني نفسه يُعد من أكثر قادة الجماعة غموضًا. فمنذ 2017 يقود المنطقة العسكرية الخامسة، ولم تُسمِّ الجماعة بديلًا عنه بعد أن أعلنت تعيينه رئيسًا للأركان. هذا الوضع يكشف أن منصبه الجديد أقرب إلى موقع شكلي، فيما تبقى إدارة الساحل الغربي — المنطقة التي يشرف عليها — بيد قنوات أخرى. غيابه التام عن المشهد يعزز هذه الفرضية.
أما غياب العاطفي، فوقعه أكبر، نظرًا لحضوره التقليدي في المناسبات العسكرية. إصابته في الضربة التي قضت أيضًا على رئيس حكومة الجماعة وتسعة وزراء أحدثت هزة عنيفة داخل مؤسسات الحكم. الإصرار على نشر بيانات باسمه رغم حالته الصحية لا يقدّم دليل قوة بقدر ما يكشف قلقًا من الاعتراف بوجود خلل في رأس الهرم.
تأثير هذا الوضع يظهر في العمليات الميدانية. فالمنطقة العسكرية الخامسة، التي يفترض أن يديرها المداني أو من ينوب عنه، مسؤولة عن مساحة حساسة من الساحل الغربي والبحر الأحمر. انتقال أجزاء من صلاحياتها إلى جميل زرعة يشير إلى بروز مركز نفوذ جديد، يُعاد تشكيله بهدوء داخل البنية الجهادية.
الصورة العامة لوزارة الدفاع تبدو الآن موزعة على ثلاثة مستويات: قيادة رسمية غائبة، وبدائل تعمل خلف الأبواب المغلقة، وجهاز مركزي في «المكتب الجهادي» يتولى القرارات الكبرى. صحيح أن هذا النموذج يمنح الجماعة قدرة على المناورة، لكنه يكشف في الوقت نفسه هشاشة واضحة في هياكل القيادة، خاصة إذا طال الغياب أو امتد إلى شخصيات أخرى.
الأسئلة المفتوحة كثيرة:
هل يعود المداني إلى موقعه أصلًا؟
هل يستطيع العاطفي استعادة دوره؟
وهل ما يجري عملية إدارة أزمة أم إعادة هندسة دائمة للسلطة داخل الجماعة؟
حتى الآن، تعتمد الجماعة على بيانات بلا حضور وصور بلا قادة، محاولة صناعة شعور بالاستمرارية. لكن في ظل الضغوط الإقليمية المتزايدة والتوتر العسكري المتصاعد، يصبح غياب رأسَي الهرم العسكري أكثر من مجرد ظرف عابر؛ إنه عامل يعيد تشكيل موازين القوى داخل الجماعة، ويدفع بقيادات أكثر تشددًا إلى مقدمة المسرح، على حساب الهياكل الرسمية التي باتت أقرب إلى لافتات ثابتة خلفها ماكينة قرار تديرها دوائر ضيقة.