صائليات “كيف سيُكتب الفصل الأخير في الإلياذة اليمنية؟
كتب: صائل حسن بن رباع
يمر اليمن بمرحلة من الصراعات الأهلية الطاحنة التي تعبر عن صراع مشاريع سياسية متعارضة وقفت خلفها قوى إقليمية وعالمية تدعم كل منها شكل من أشكال الدولة، أو الدول المستقبلية في اليمن، بما يتناسب مع مخططات ورؤى هذه القوى للمستقبل،
وفي خضم هذا الصراع المتعدد الأوجه تتعدد النكبات الوطنية، فالجميع خاسر في الحروب الأهلية بما في ذلك أولئك المنتصرون لمشاريعهم والمتمكنون من سحق أعدائهم وكتابة التاريخ بأيديهم، فبرغم انتصارهم إلا أنه سيكون عليهم دون غيرهم تحمل أعباء إعادة إصلاح ما دمرته أيديهم، وأيدي أعدائهم، وبناء النسيج الاجتماعي المتهتك، والاقتصاد المنهك، وتحمل نفقات وتبعات علاج الجرحى، والعناية بأسر الشهداء، وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، وتقديم الخدمات للمجتمع وإلا فإنهم ينتصرون عسكريا ليسحقون مشروعهم سياسياً،
وهو ماحصل في الحروب الأهلية اليمنية السابقة، كحرب جبة التحرير والجبهة القومية في جنوب البلاد التي أعقبها انتصار الجبهة القومية التي عجزت بدورها عن تقديم مشروعاً محلياً رائداً، وهي الفصيل الشيوعي الذي أذاق البلاد ويلات الظلم والقهر والاستبداد والصراعات المستمرة التي فرخها وكان أعنفها بعد 1967 هو ما حدث في 1986م،
وكذلك كان الحال شمالاً
مفي صراع المشاريع، فيما عرف بحروب الجبهة الوطنية بعد تحقيق الجمهورية واسقاط الإمامة وهي الحروب التي استمرت طويلا وسفكت فيها دماء الآلاف،
ناهيك عن صراع الشطرين في أكثر من مناسبة وكان أعنفها في عامي 1994م و2015م.
كلما طال أمد الحرب تعقدت وتشعبت وسمحت لأصحاب المشاريع الأصغر بالظهور وهكذا تتفرخ الحروب الصغرى من رحم الحروب الكبرى ويستمر صراع المشاريع.
في التاريخ الإنساني حروب أهلية انتصرت مشاريعها وما زال أثرها مستمراً إلى اليوم كالحرب الأهلية الأمريكية (1861م إلى 1865م بين الاتحاديين والكونفدراليين والتي نتج عنها تحرير العبيد والاتحاد الكونفدرالي الأمريكي) والحرب الأهلية البريطانية (1642م إلى 1651م بين الملكيين والبرلمانيين وانتهت بانتصار البرلمانيين)،
وهناك حروب أهلية أخرى ذهبت آثارها أدراج الرياح كالحرب البلشفية الروسية (1917م إلى 1922م بين القيصريين والثوار الشيوعيين وانتهت بسقوط القيصر وإنشاء الاتحاد السوفييتي الذي انتهى هو بدوره وأصبح من قصص التاريخ) وكذلك الحال مع الحرب الأهلية للإمبراطورية الرومانية (من 49 ق. م إلى 45 ق. م) دارت بين القيصريين بقيادة يوليوس قيصر وبين القوات الموالية لمجلس الشيوخ في روما، وامتدت على رقعة واسعة من الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط بشواطئه الأوروبية والأفريقية والآسيوية، وانتهت بسقوط الجمهورية وإعلان الإمبراطورية الرومانية التي طواها الزمان).
في العصر العربي الحديث تعددت الحروب الأهلية وتساقطت كل مشاريعها ليظهر من بين ركام عصر الإنحطاط العربي بريق أمل تمثل في الصحوة والحركات التحررية الراغبة في الانعتاق من الحالة الدكتاتورية، تمكنت الأحزاب الراديكالية والحركات الدينية من ركوب موجتها وقطاف أسرع ثمارها ، وأعقبها سقوط مريع في مرارات صراع المشاريع ونتج عنه صراعات أهلية مازالت نيرانها مشتعلة أشهرها في سوريا والعراق وليبيا واليمن،
تمثل الحالة اليمنية الحالة الأكثر تعقيدا في الصراعات الأهلية العربية المعاصرة.
لقد تعددت المشاريع المتصارعة على الساحة اليمنية مستفيدة من الخلافات التاريخية الموروثة والاختلافات المذهبية والمناطقية والحقوقية،
إن إستدعاء أسباب الصراع من الدين والديموغرافيا والتاريخ والطبوغرافيا وكل ما يمكن أن يأجج مشاعر المتقاتلين أصبح التجارة الأروج في عصر الصراعات الأهلية،
تليه التجارة بذمم العسكريين ثم السياسيين ثم الإعلاميين والمثقفين، وتأتي في المرحلة الثالثة التجارة بألام واحتياجات البشر.
لا يملك المواطن اليمني في عصر الصراع الأهلي ما يمكن أن يفعله سوى أحد الأمرين وهو إما الإلتحاق بإحدى المجموعات المتصارعة عسكريا وفكريا، أو إلتزام الحياد وهو أمر شبه مستحيل بالنسبة لبنية الشخصية العربية بشكل عام والبنية الشخصية اليمنية بشكل خاص.
وقد عززت التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي من المشاركة الشعبوية في الصراعات السياسية والعسكرية وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة صراع مفتوح بين المشاريع المتصارعة فكرياً وسياسياً في ما بات يعرف بحروب الجيل الرابع،
وقد يكون للأثار الناجمة عن الحرب الأهلية اليمنية مآلات تاريخية تتمثل في ظهور حدود جغرافية جديدة وانتشار مذاهب عقدية في مناطق غير مناطقها التاريخية، هذا بالإضافة للنتائج الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة للحرب الأهلية، يتمنى اليمنيون جميعا اليوم إنتهاء الحرب الأهلية حتى يتمكنوا من لملمة جراحهم ومعالجة آثار الحرب الأهلية التي تدخل عامها الثامن جاعلةً من اليمن أكثر دول العالم فقرا وتخلفاً،.
ويكاد يكون المخرج من هذه الحرب مستحيل في ضل وجود المسببات التاريخية التي طالما كانت تأجج الصراعات، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من التدخل الأجنبي وفقدان السيادة (للأبد ربما في بعض المناطق).
تفرز الضغوط الدولية المرعوبة من تفشي الكارثة الإنسانية، وإستتباب الفوضى في هذا الركن المهم من العالم والذي يطل على أهم شرايين الطاقة والتجارة والنقل الدولية، رغبة حقيقية في إنهاء الحرب َعززتها إستجابة دول الجوار اليمني لرغبة إنهاء هذا الصراع لتخفيف التوتر في المنطقة التي يبدو أنها مقبلة على صراعات أكثر سخونة وأشد حدة، كتلك التي يظهر شبحها كل فترة بين إيران ومحورها من جهة وبين إسرائيل ومن خلفها دول المنطقة المتخوفة من المشروع الإيراني المعادي لكل ما هو عريي والمتستر بإيدلوجيا دينية متطرفة، وقد أبدعت دول التحالف العربي في إخراج حل سياسي متمثل في الحفاظ على الشرعية اليمنية وتغيير بنيتها بالكامل بما يخدم إظهار كل القوى الحقيقية على الأرض وفرضت مجلس قيادة رئاسي متعدد الطيف السياسي، يسعى للدخول بعملية سلام شامل حاملاً الجزرة بيد والمدفع باليد الأخرى ، ومع وعود الدعم السخي وإعادة الأعمار والدمج في منظومة دول مجلس التعاون يظهر من بعيد ضوء في آخر النفق.
هذه الحكاية التاريخية عن ما يبدوا انه صراع يمني أهلي تاريخي مستمر منذ أكثر من قرن من الزمان تحتاج لمن يكتب فصلها الأخير بحكمة ورحمة وأمانة، وبما يعالج مطالبات جميع الفرقاء على الجغرافية اليمنية وبما يخلق سلام عادل وشامل وطمأنينة لدى الإقليم والعالم.
وقد يكون قيام دول يمنية متعددة، يعيش فيها اليمنيون بسلام أفضل بكثير من دولة غير مستقرة عاشت في صراعات مستمرة حولت اليمن السعيد للبلد الأكثر تخلفا في الشرق الأوسط.
وللحديث بقية..