مقالات وآراء

في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاده.. «يسري الحوشبي» شهادة وطن وذاكرة شعب

كريتر نيوز/تقرير / محمد مرشد عقابي

يأتي الرابع من يوليو وفي كل عام جديد، تبقى جرحي الغائر العظيم، وتبقى الذكرى لتعانق وجعاً هد مشاعري، وهزم كل شيء، في 4 يوليو أحاول أن أتذكر فتحرقني الذكرى بلا رحمة، أحاول أن أكتب فتنعدم المفردات حتى لا أجد كلمة، أحاول النسيان فأنسى النور لتكون أيامي حبيسة العتمة.

“يسري عبيد حازم الحوشبي” شهيد الشرف والبطولة، عرفته وعرفه الجنوبيون بنضاله الوطني وحسه الثوري وخطاباته الحماسية وإنتمائه الجنوبي وولائه الشعبي وعنفوانه الدائم واندفاعه الواعي وإحساسه بشرف القيادة وإمانة الوظيفة، عرفناه بدوره الكفاحي في المقاومة والنضال ومسؤوليته في حماية الوطن والدفاع عن حقوق ابناءه، عرفناه بغيرته اللافته على شعبه وحنيته عليهم وقربه منهم واحساسه بمعاناتهم وألمهم ومشاطرته لهمومهم وأحزانهم وتفانيه في عمله العسكري الذي كان يراه كرسالة يؤمن بها كواجب وجودي وأخلاقي، مايزال رحيله جائراً يقطع علينا شرايين الحياة ويبدع في إحراق كل المشاعر، لايزال رحيلك إيها البطل ياسيد الكلمات ووجع القوافي، لحظة حزن ومرارة جور، لاتنتهي حتى تحين اللحظة الأخيرة للقياك.

أيها الغائب جسداً، الحاضر روحاً عظيمة متصلة بتلافيف الذكرى وتجاعيد الأيام، وفي كل شيء، لقد رحل الأخرون بصمت وتوشحوا الأوسمة وغابت ملامحهم، إلا أنت لم ترحل بعد، ها أنت في كل لحظة نعيشها، سواداً يذيقنا الحزن بأنواعه، ها أنت يا من افتديت بدمك أرض البطولة والصمود والتحدي تركت لمن بعدك مسؤولية مواصلة السير في درب النضال والثورة حتى تحقيق النصر الأكبر والتتويج بإعلان الاستقلال، تركت لمن يليك مهمة استكمال مشواره في معركة الكفاح والتحرر والانعتاق.

نم بعين قريرة “أبو عيدروس” يا من أرتقيت شهيداً وانت واقفاً كجبال بلادك الحواشب لاتحني هامتك للأوغاد، عشت مثالاً للصبر والجلد والتضحيات، وكنت أسماً لامعاً ودوراً لافتاً، ونموذجاً في كل محطات النضال، حملت بين جوانحك واجباً مقدساً ومهمةً وطنية، آمنت بعدالة قضيتك وأخلصت لها، وأيقنت بان حمل السلاح وخوض المعارك هو السبيل الأنجع لأسترداد واسترجاع الحق المسلوب، شاركت في كل ملحميات الثورة الجنوبية المعاصرة والحديثة منذ بزوغ فجرها الأول اعقاب الاجتياج الظالم صيف 94م، وكانت لك البصمات المشرقة في نشؤ حركات التحرر والمقاومة باشكالها المختلفة عام 2007م.

بقيت حاضراً وبقوة في كل الأحداث المفصلية التي مر بها الجنوب، لم تغب عن أي مناسبة او فعالية وطنية او نضالية، عرفناك فيها شديد المراس، متقد الحمية كلماتك كأنصال السيوف، تتوق للشهادة وتسترخصها في سبيل القضية والوطن، وفي الحرب لم نرك تهتز لدوي المدافع او ترتعد من صليات الرصاص، بل رأيناك ثابتاً في المبدأ وشجاعاً في الموقف ومقداماً في المواجهة، نم قرير العين يا مشروع الشهادة والثبات ياسليل الحواشب الذين اذا غضبوا كانوا براكيناً تتفجر حمماً وما استاءوا، فما هانوا ولا غروا ولا هجعوا ولا انغروا، غرسوا الصحاري والجبال رجالاً أشداء، كبيرهم ما شاخ وشبلهم ما مال، من بأسهم فر الموت ومات اليأس وطرد الغم، نم بعين قريرة ودعنا نحتسي ما تبقى من صور صامته، ونرتشف طيفاً على أمل استحالة لقياك، نم بعين قريرة، فلا نامت أعين الغزاة والباعة والخائنين والجبناء.

كل يوم وبعد أن أعجز عن الكتابة، وألتزم الصمت، ثمة صوت بداخلي يناديني ويقول :”أين أنت أبا عيدروس، لما غبت عنا ونحن في حاجة اليك؟”، ويطنب لوما “لم رحلت عنا بهذه السرعة؟”، لكنه اليقين يا شهيد الوطن، وحكم الله حين اصطفاك شهيداً، حين سالت دماؤك الزكية في جبهات الشرف والبطولة مقبلاً غير مدبر، رحلت تخط بالدم الفواح كرماً و طهراً روائية مجد وخلود وشهادة وثبات لأجل الجنوب، فسلاماً كل يوم عليك وعلى روحك.

في مثل هذا اليوم الرابع من يوليو يعود الزمان ليجعلنا نعيش واقعاً متمثلاً بذكرى رحيلك يا أشجع قائد عرفته ساحات المعارك والحروب، قائد ملهم، مرغ أنوف أتباع إيران في تراب الحواشب، وبالبندقية هزم المدفع والدبابة في معارك الشيخ سالم ان لم يشهدها الكثير لما صدقها أحد.

عادت الذكرى الأليمة لتعانق المجد العظيم الذي سطرته في ميادين الوغى يا أعظم القادة، أي كبرياء وشموخ ذلك يا أبا عيدروس، أي شجاعة تلك يا ابن عبيد حازم، قاهر الغزاة والبغاة والطامعين، لعمري بأنك من نوادر البشر الذين لايتكررون كثيراً، أي فروسية تلك، وأنت تتقدم الصفوف مقتحماً اوكار العدو ومحطماً تحصيناته في معركة الإستشهاد البطولي بجبهة شقرة، تبتسم منذ أول رصاصة تطلق بداية الإقتحام والزحف صوب نحور الاعداء لأنك كنت تثق بأن الفرسان أمثالك لاتهزمهم جحافل الإرهاب ولاتثنيهم عن أهدافهم السامية عصابات الغزو والإحتلال.

في تلك المعمعة العصيبة حين تخلى الكثيرين عن الوطن،

زر الذهاب إلى الأعلى