مقالات وآراء

الحروب الناعمة

كتب / رنا كمال مصطفى

في ظل العولمة والتطورات المتسارعة في كل مجالات الحياة ظهرت حروب بمسميات جديدة تتناسب مع هذا العصر وتختلف عن الحروب العسكرية التقليدية التي تُدعى بالحروب الصلبة، وهي حروب عرفت بالناعمة كنعومة جلد الأفاعي ذات السم الزعاف تخترق جسد الوطن لتوهنه وتقضي عليه، يستخدم العدو القوة الناعمة المبهرجة بالحقوق والمطالب والشعارات البرَّاقة حتى تجر الشعوب للهاوية.

وقد ذكر جوزيف ناي في كتابه الحرب الناعمة أن القوة الناعمة هي القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشاوي وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، بل عن طريق الجاذبية وجعل الآخرين يريدون ما تريد، وأن القوة الناعمة تقوم على خمسة أركان وهي :

1_القدرة على تشكيل تصورات ومفاهيم الآخرين وتلوين ثقافتهم وتوجيه سلوكياتهم.

2_القدرة على تشكيل جدول الأعمال السياسي للآخرين سواء الأعداء أو المنافسين.

3_القدرة على جاذبية النموذج والقيم والسياسات ومصداقيتها وشرعيتها بنظر الآخرين.

4_القدرة على فرض استراتيجيات الاتصال على الآخرين “من يتصل أولاً وكيف”.

5_القدرة على تعميم رواية ما وسرد وقائعها من منظور إعلامي يخدم الأعداء “فالفائز اليوم من تفوز روايته للأحداث”.

وتشمل الممارسات “الناعمة” الحرب السيبرانية (الإلكترونية) والعقوبات الاقتصادية والحروب التجارية والحرب الإعلامية والدعاية والمقاومة اللاعنفية  واستخدام القانون الدولي لأغراض استراتيجية.

إن أساليب الحرب النفسية التقليدية التي كانت تستخدم في الحروب ضد العدو بصورة شبه مباشرة وتهدف إلى تدميره وإضعاف إرادته وهد معنوياته، أضحت اليوم وبخاصة في عصر العولمة وثورة المعلومات لا تجد نفعاً كبيراً، فللحرب الناعمة وظائف جديدة بحيث تقوم على تشكيل التصورات العامة وبناء البيئة السياسية الملائمة لترسيخ قواعد السياسات المطلوب تثبيتها وتمريرها والتسويق لها ونزع الشرعية والمشروعية والمصداقية عن الخصم وتغيير شخصية النظام والقيادة لدى الخصم و قلب الحقائق وتحويل نقاط القوة إلى نقاط ضعف ومن فرص إلى تهديدات.

كما أن الحرب الناعمة تعتمد على رفع شعارات ومطالب الناس واستغلالها، فلا يمكن للحرب الناعمة أن تنجح إذا ما رفعت شعارات وتبنت سياسات معادية بالظاهر لمصالح الدولة المستهدفة، فالقوة الناعمة بالعمق تقوم على رفع شعارات وقضايا مرغوبة ومحبوبة والبحث عن قيم مشتركة مع الطرف المستهدف مثل : الحرية، الحداثة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، وإلى ما هناك من قيم يسعى إليها كل فرد.

ونظراً لأن هذه الحروب لا تكون معلنة كما كانت الحروب التقليدية، بالتالي فمن الصعب رصد من يقوم بها وكيفية تطورها وممارساتها اليومية، وكذلك نجاحها أو فشلها في ظل غياب تغطية إعلامية أو إمكانيات مباشرة لدراسة وقياس جدواها.

كما يجب أن لا نغفل أبداً عن دور الإعلام في الحرب الناعمة وممارساتها، خاصة أنَّ وسائل الإعلام تعدُّ واحدة من أهم وسائل التنشئة الاجتماعية، وذلك نظراً إلى قدرتها الهائلة في الدخول إلى كل منزل ودورها في التأثير على اتجاهات وميول الشباب وصناعة الرأي العام.

و في هذا الصدد يفند الإعلامي رفيق نصر الله في كتابه “ميديا الحرب الناعمة” كيف يلعب الإعلام دوراً بالغ الأهمية في السطوة على الرأي العام وتبديل توجهاته وكذلك تحوير أي قضية بما يتناسب مع الوجهة التي يعبر عنها هذا الإعلام، و يشير بوضوح إلى أن الإعلام العربي أصبح يرتكز بشكل أساسي على وكالات الإعلام الأجنبية بصفتها مصدراً للمعلومات من جهة وللمصطلحات من جهة أخرى، ويمكن تخيُّل كم كان متاحاً أمام هذه المصادر إدخال ما تريده إلى العقل العربي وبالتالي يبني عليه.

إنَّ الحرب لا تقتصر على ميدان واحد، بل تتعداه إلى ميادين شتى وضمنها وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الملايين، بحيث أن الدعاية المدفوعة أصبحت متاحة فمن الطبيعي أن تتحول هذه المنصات إلى ميدان مهم في نظر العقول المخططة للحروب الناعمة.

فأي حرب نخوض في بلدنا الحبيبة فقد تكالب علينا الجميع، وزاد الفاسدون الطين بله، واصبحوا عوناً لأعداء الوطن علينا، فمن المعروف أن الدول التي قامت بمقاومة الحروب الناعمة قامت بحملات توعية للشعب على كافة الأصعدة، ولكن التوعية فقط في بلادنا لن تكفي فلابد من الاهتمام بتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطن وإعادة تشغيل المؤسسات الحيوية ومن ثم النظر إلى حملات توعية بخصوص حروب العصر.

زر الذهاب إلى الأعلى