ثقافة الإسراف في زمن الحرب والإجحاف ..! مقال لـ “عبده الداني”
[su_label type=”warning”]كريترنيوز /خاص[/su_label]
قديما قيل إن الإنسان يأكل ليعيش ولا يعيش ليأكل وتبعا لهذا فالإنسان يلبس ويسكن ويتزوج حتى تدور عجلة الحياة ، ولا يحيا من أجل المأكل والمشرب والمسكن والملبس والزواج فهذه كلها وسائل وليست غايات ، وسائل إلى غاية أعظم وأشرف وأبقى تتجسد في قوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) والعبادة مسألة واسعة النطاق ولا تقتصر على شعائر دينية بحتة يومية أو أسبوعية أو موسمية وهي أعتقاد وسلوك لا يستقيم أحدهما إلا بالآخر أي إيمان وعمل يدخل فيهما بناء الأوطان والشعوب والتضحية في سبيلهما ونشر العلم والثقافة وتعزيز الحضارة والمدنية والتحلي بالتوسط والاعتدال والرفق وعدم خلط الوسائل بالغايات .إن الذي دعاني إلى هذا الحديث المنطلق من الثقافة الإسلامية _ وهي ثقافة إنسانية فطرية عقلانية بإمتياز _ هو ما أراه لدى اناس كثيرين في بلادي لا هم لهم إلا أن يأكلوا أشهى المأكولات ويشربوا الذ المشروبات إلى حد الإسراف ويركبوا أحدث الموديلات ويلعقوا على احزمتهم آخر أنواع الموبايلات ويتعاطوا أغلى أنواع القات بحيث يصبح كل هذا العبث هو الغاية من حياتهم ، وهو المسيطر عليها المتفشي فيها على حساب الأهداف والمضامين الأخلاقية والدينية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية وعلى حساب محاذير وقواعد صحية وتربوية . أجل أن كل ما يحدث من عبث واستهلاك متطرف وتهافت مريض على وسائل العيش الفانية بما فيها غير الضرورية يأتي في وضع يعاني في الكثيرون من أبناء الشعب فقرا مدقعا وفاقة ملحة وتشردا وبؤسا يندى لها الجبين وتنزف لها العين فها نحن في زمن حرب
عبثية منذ اربع سنوات اكلت الأخضر واليابس وشردت الناس
وافقرتهم وانقطعت رواتب عشرات الالاف من الموظفين
واكل الناس من صناديق القمامة
وهبطت العملة هبوطا مخيفا
ومع كل ذلك لم يرتدع العابثون والمسرفون بل ظهرت هناك اناس
عابثة أخرى من تجار الحروب
لا يهمهم وطن ولا امن ولا سلام
ولا قضايا مصيرية بقدر ما يهمهم
ان يعبثوا ويتاجروا بالاوطان والكسب غير المشروع . والعجيب انك ترى اللوحتين معا جنبا إلى جنب في لوحة واحدة أحياناً وذلك عند المطاعم الراقية مثلا فترى علامات الشبع والتخمة والترف وترى الحاجة والبؤس والدروشة والشحاذة وترى ذلك في ( العزائم ) الكبيرة حين يطرد منها الشعث الغبر ويدخل فيها أصحاب الكروش من المدعوين، ولكن ما توارى وراء الجدران أو الصفيح واماكن النازحين من فاقة وبؤس ومعاناة لهو أشد وأعظم .
كل يوم .. كل يوم ( لحم ) كل يوم ( قات مطول ) .. يوميا كروت تعبأ وشحن فوري وباقات ومكالمات ورسائل صادرة وواردة ليست في أكثرها إلا مضيعة للوقت وإهدار للمال ومجلبة للذنوب وخرابا للقلوب وايذاء للآخرين ولعل ما خفي كان أعظم !! . نحن لا نحسد هؤلاء على ما هم فيه من عبث وتهافت وغفلة ولكننا نشفق عليهم إلى حد التقزز، فما لهذا خلق الإنسان وليست هذه رسالته الخالدة في الأرض وما بهذا السلوك تبنى الشعوب والأوطان والحضارات بل إن هذا السلوك نفسه ينطوي على هدم الثقافة الوطنية والقومية والدينية والفطرية السليمة . والمثير للخوف حقا إن الكثيرين من محدودي الدخل ومتوسطيه يسلكون هذا السلوك العابث لأنه صار نمطا ثقافيا شائعا فتجدهم على سوءحالهم يهدرون أموالهم القليلة في تقليد أولئك العابثين من الأغنياء فقد يشتري أحدهم قاتا غاليا أو هاتفا باهظ الثمن في حين أن قيمة كل هذا ( دين ) في رقبته وقد يزج أحدهم بماله القليل جراء وجبة في مطعم فاخر بينما أطفاله في البيت يتضورون جوعا .. وقس على هذا الكثير من السلوك المنحرف والمظاهر المجنونة . إن الذي يكفي الإنسان من وسائل العيش ينبغي أن يغنيه كما قال الزهاد .. فإذا كان الذي يكفيه لا يغنيه ويملأ عينيه فإنه لن يجد شيئا يغنيه ويقر عينه ابدا الم نتعلم في مدرسة الإسلام الخالدة ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) و ( إن خير الزاد التقوى) وأن التكافل والتراحم وإعطاء الصدقات واطعام الطعام على حبه هو مما أمر الله تعالى به .
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.