مقالات وآراء

رحلت عنا وزرعت فينا حب الوطن يا منير أبو اليمامة.

كتب: أحمد الباخشي

رحل عنا جسدٌ، لكن روحه الطاهرة باقية، تحوم حولنا كما تحوم الطيور حول عشها. منير الجنوب، المعروف بلقب “أبو اليمامة”، لم يكن مجرد اسم عابر، بل كان علامة فارقة في تاريخ الوطن، رمزاً للشجاعة والثبات. كان في كل خطوةٍ يخطوها يحمل هموم الوطن في قلبه، ويزرع الأمل في نفوس الضعفاء والمحتاجين.

تأتينا ذكراه كنسمة هواء باردة تهب في يوم حار، تذكرنا بما كان، وتعيد إلينا صدى كلمات لا تزال تملأ الأرجاء: “الوطن أغلى ما نملك”. لقد كان يقف في وجه الرعد والبرق، في زمن تآمرت فيه الظلاميات على جمع شملنا. أظهر شجاعة لا تعرف الخوف أو الاستسلام، إذ كان يعد العدة لحماية الوطن والذود عن ترابه، بينما كانت عيون البشر تراقب وتحسب خطواته، متأملة في نصرة تلك الأرض التي تحتضن أحلامهم.

استشهاد أبو اليمامة جاء في وقت كان فيه بصحبة أحلامه، برفقة العزيمة والإرادة. كان يرسم المستقبل بيده، عندما باغتته يد الغدر، لتخطفه من بيننا بحادث إرهابي جبان. ومثلما تسقط وردة في بستان زاهر، قلنا الوداع لأسدٍ لا يُنسى، ترك وراءه فراغاً عميقاً في قلوبنا. كان رحيله كالصاعقة التي تضرب شجرة عظيمة كانت تظللنا جميعًا، فأخفت أشعتها وجعلت الطريق مظلماً.

لكن ما تركه منير الجنوب بعده ليس مجرد حكاية يُراد بها الاستذكار، بل هي شجرة تزرع في قلوب اليتامى والشهداء، ممدودة بأغصانٍ من العزيمة والإرادة. فرغم الحزن الذي يعصف بقلوبنا، فإن حب الوطن الذي زرعه في أرواحنا كفيل بأن ينبعث من جديد، كزهرة ترفض الموت وتعود لتزهر في كل فصول السنة. علينا أن نتحلى بقوة يديه، وأن نتحدى قسوة الأحداث بها، كي نبني مجتمعات تعكس الصورة التي حلم بها.

أبو اليمامة، كما عهدناه، لم يكن مجرد قائد، بل كان نجمًا في سماء الوطن، يستضئ به الأجيال القادمة. فعندما ننظر إلى الماضي، نرى حركاته، ونسمع صدى كلماته، نشعر بأنه لا يزال بيننا. وبينما نعي ما يعنيه الفقد، يجب أن ندرك أن استشهاده هو دعوة لنا للاستمرار. دعوة تدعونا لحمل رايته، ولنسير على درب حبه للوطن.

لذا، يجب علينا أن نستمر في زرع حب الوطن في قلوب أطفالنا، في بيوتنا، وفي شوارعنا. فكل ما يحتاجه الوطن اليوم هو أبطال مثله، ليس بالضرورة أن يحملوا الأسلحة، بل أن يتحلوا بقيمه، أن يعرفوا معنى الكرامة والشجاعة. علينا أن نكون قادرين على مقاومة الشدائد، والشعور بالفخر في كل لحظة نعيشها، وكأننا نسير على آثار قدميه المباركتين.

في الختام، نُسمع صوتنا، ونُجدد العهد بأن نبقى أوفياء لمبادئه، نرفع اسم منير الجنوب عالياً. ليبقى ذكره خالداً في قلوبنا كمنارة تقودنا في أحلك اللحظات، ونُدرك أن التضحيات ليست مجرد ذكريات، بل هي ملحمة نعيش من أجلها، لنحيا، ونُحب، ونُؤمن بأن الوطن يستحقّ منا كل عطاء. فلنستمر في كتابة أسطورة أبو اليمامة، ولنحمل رايته ولتتجدد فينا روح الشجاعة.

زر الذهاب إلى الأعلى