مقالات وآراء

أعداء الأمس وأصدقاء اليوم: دروس في الدبلوماسية والمصلحة المشتركة

كتب: عصام الوالي

في عالم السياسة المتقلب، ليس غريبًا أن نجد خصوم الأمس يتصافحون اليوم. كما شاهدنا اجتماع مشترك بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، كثيرًا ما تقود المصالح الوطنية والتحديات المشتركة إلى تغيير التحالفات، حيث تصبح العداوات القديمة جسرًا نحو تعاون يخدم الجميع.

ربما يكون هذا التحول غريبًا للبعض، ولكنه يمثل إحدى أهم سمات الدبلوماسية: “لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، فقط المصالح هي التي تدوم”، كما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وينستون تشرشل.

في كثير من الأحيان، يتطلب الأمر حكمة وشجاعة من قادة الدول لتجاوز جراح الماضي والتركيز على المستقبل. فالتحديات التي تواجه الدول قد تكون أكبر من أي صراعات قديمة، سواء كانت هذه التحديات اقتصادية أو أمنية أو بيئية. على سبيل المثال، نجد دولاً كانت في حالة حرب مستعرة لسنوات، مثل فرنسا وألمانيا، اللتين استطاعتا بعد الحرب العالمية الثانية أن تتحولا إلى شريكتين أساسيتين في بناء الاتحاد الأوروبي.

لا يقتصر الأمر على السياسة الدولية، بل يظهر أيضًا في السياسة الداخلية للدول. حيث نجد أحزابًا وجماعات متنافسة تجتمع في حكومات ائتلافية بهدف تحقيق الاستقرار والتقدم، واضعين خلافاتهم جانبًا لصالح الأمة، وهذا ما سنه المجلس الانتقالي الجنوبي حين انفتح على كل المكونات الجنوبية واحتضنها، حتى التي ناصبته العداء في السابق لم يدخر جهدا للتفاوض معهم، لتغليب مصلحة الوطن على كل المصالح الاخرى، في هذا السياق، قال الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن: “أفضل طريقة لتدمير عدوك هي أن تجعله صديقًا”.

التاريخ مليء بالأمثلة التي تثبت أن تحالفات المصالح تتغلب على الأحقاد القديمة. إن القدرة على تجاوز العداوات والعمل نحو أهداف مشتركة تعكس نضجًا سياسيًا وأخلاقيًا، وهو ما تحتاجه الدول في مواجهة تحديات العصر الحديث.

في النهاية، قد تكون المصلحة الوطنية هي البوصلة التي توجه هذه التحولات، فكما يقول المفكر العربي ابن خلدون: “إن السياسة هي فن الممكن”. وهذا الممكن قد يجمع اليوم بين أعداء الأمس ليصبحوا أصدقاء اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى