عندما كُسر القلم .. على هامش مقتل الأستاذ العسكري عبدالعليم الحوشبي
قصة قصيرة/ أنسام عبدالله
صوّبَ الجهلُ يوما بنادقهُ صوب القلم ..مستهدفا إياه بشراسة، نجا القلم واستبسل لسنين حتى لم يعد يقوى على الثبات من فرط الضعف والحاجة..
لملمَ القلمُ كل كلماته التي خطّها يوما على سبورة الوطن، عندما كان يبدع داعيا إلى الله وسراجا منيرا..
حيث اكتفى من رشقات بنادق الجاهلين، وتوارى بين الجائعين على قارعة طريق هذا الوطن المُسجّى..
لمّ شعثهُ وارتقى ..ثم انبرى وسط البنادق مناديا ..أنا لستُ قلما ..لن أعود كما كنت ..بل إني بندقية نافذة إلى عقول الجاهلين أفجرها ..فهي أمضى وأشدُّ وقعا من كوني قلم !
وقف القلمُ البندقية يذودُ عن حياض الصالحين من أبناء هذا الوطن..ممن لازالوا يثقون أن الصبر طاعة إن طال ..ومغفرة إن ظل، ولم يضل عن طريقه الى أفئدة الطيبين ..
كان القلم البندقية عند وقوفه بين صف المقاتلين ..مُشعا نيّرا عن باقي أقرانه ..من بدقيات عادية..أتت من مقاعد الدراسة أو من دكات الإحتياط المجتمعي ..ممن لا يملكون مايملكه القلم البندقية ..
إن نوره الأخّاذ قد كشف مكانه بوضوح للعدو الحوثي !
فأبصر مكانهُ القنّاص ..وارتعدَ ظانا بأنه وليُّ أو إمام ..
تلا ذاك القناص تعويذة علّها تُنجيه مما قد يصيبه إن استهدف ذاك القلم المضيء،وتلك البندقية الباسلة ..
خاف وارتعد ..وذهب إلى قائده الأكثر جهلا منه وعنجهية..متسائلا ..هل أقتله ؟!
أخافُ أن تصيبني لعنته !
تجمع أفراد الكتيبة المعادية بقائدهم..ولم يحتاجوا إلى مناظير ليلية ليبصروا تنقلات هذا النور على طول خط المعركة الآخر..خافوا جميعا..
لكن انبرى أشقاهم ..قائلا ..أنا أعرفُ تلك البندقية التي أخافتكم ..إنها ليست بندقية .( مقهقها قالها )..
التفت الجمعُ إليه مستنكرين ..ماذا قلت ؟!
وإذا ماهي ؟!
إنها بندقية أيها الأخرق ! ..لكننا نظن صاحبها أبله ! يريد أن يستدرجنا لشيء ما ..
ضحك ( الشقي ) مرةً أُخرى وتقدّم مقابلا القلم البندقية ..ومن خلف مترسه المنيع من رشقات الفدائيين ..والمُخترَق من شديد نور البندقية القلم !
لقد تعالى نور القلم حتى كشف المترس ومن خلفه بوضوح ..فانقض الفدائيون برصاصهم ملتهمين جُلّ الجهلة واحدا تلو الآخر ..حتى لم يبقَ سوى قائدهم وأشقاهم، ومكتشف نور القلم ..
ضاق القائد ذرعا بنور القلم وقرر قتله وإخفاء نوره الكاشف إلى الأبد ..لكنهُ خاف وتراجع ..من اللعنة !
كذلك فعل المكتشف ..
وأتى دور الشقي وقال ..هلموا إليّ ببنادقكم ..فأنا لا أخافُ لعنة القلم ..ولا أُشفق لنزفِ الوطن ..ولا يهمني ماضٍ ولا حاضر..ولا أثقُ بمستقبلكم جميعا..حتى وإن كانت قلم !
تقدّم ..وأخذ بندقيته الملعونة ..ووجهها صوب نور القلم ..تراجع الاثنان خلفه خوفا من لعنةٍ قد تصيبهم إذا ما حلّ الظلام واختفى النور ..وتطاير القلمُ أشلاءا دامية في سماء الوطن ..
لكنّ الشقي لم يحذر ولم يخف ..فالأشقياء قادة المرحلة ولهم في السفه صولة ودولة ! وأقاموا للقتل شرعةً ومنهاجا..
رآهُ القلم البندقية حين صوّب فوهة قناصهُ نحوه ..حينها لم يتراجع أو يتوارى ..كعادة القلم حين كان يقفُ مدافعا خلفه السبورة وأمامهُ الأطفال ..وبينهما وطن ..أكبرُ من الشقيّ، وأعلى من صوت الرصاص..وأغلى من زلّات القلم ..
واجه القنّاصُ القلم ..وبادرهُ بطلقه خائنة ..تغدرُ بأمان المزارعين ..وتسرقُ أحلام الجياع..ولا تمسحُ دمعات الثكالى على ( كم من قلم ) !!
سدّدَ وأصاب ..وأتت الطلقة مسرعة ..متجاوزة حدود وسنين..وآلالم وأحلام وآمال ..شعب ..بل أطيب شعب ..كان يُقدّسُ القلم !
أصابَ وكسر القلم ..كسرا مدويّا سمعتهُ الطيور في أعشاشها..والحيتانُ في ظلمات خليج عدن الساكن سكون القادم الموعود ..
انطفأ النورُ فجأة ..وحلّ الظلام جنبات خطوط التماس ..فلم يعد أحد يُبصر الآخر..
وفي ذهول مابعد الجريمة بحق القلم ..صاح قائدُ الشقيّ ..ماذا فعلت ؟؟!!…لقد حلّت علينا اللعنة أيها الأحمق ..! وقتلهُ من المسافة صفر ! فلم يعد هناك نورا يبينُ المسافات ..أو يهدي السائلين ..
وفي خضم الظلام..تحسس زملاء القلم أشلائه المتشظية ..وجمعوها في تابوت أبيض منقوشٌ عليهِ ..
لقد قُتلَ القلم ..