مقالات وآراء

الإعلام بين الحقيقة والخيال ..

كتب : ماهر العبادي أبو رحيل

في عصر المعلومات المتدفقة، حيث تكتسحنا الأخبار من كل حدب وصوب، بات الكذب الإعلامي يشكل تهديداً حقيقياً لمفاهيم الحقيقة والواقع. يتسلل هذا الكذب بهدوء، كالضباب الذي يغلف الأفق، ليحجب عنا الرؤية الواضحة. يبدأ الأمر بصورة جذابة، أو عبارة مشوقة، تجذب انتباهك وتثير فضولك. وهنا، تبدأ اللعبة.

تتوالى المعلومات المضللة، وكأنها تأتي من مصادر موثوقة، مما يعزز من مصداقيتها في عقولنا. تُستخدم دلالات الصور المركبة لتضليلنا، حيث ترى مشاهد تنقل مشاعر متناقضة؛ الفرح، الحزن، الغضب، وكلها تُستخدم كأدوات لتوجيه عواطفنا نحو اتجاهات معينة. في هذا السياق، يتحول الخبر إلى أداة للتلاعب، بدلاً من كونه وسيلة لنقل الحقيقة.

تتداخل الكلمات المحببة مع الواقع المُشوه، لتصل بك إلى قناعة بأن ما يُقال هو الحق المطلق. تُزرع فيك أحكام مسبقة، فتبدأ في رؤية العالم من منظور ضيق، يجعلك تستسلم لعواطفك بدلاً من تحكيم عقلك. يصبح الشك شيئاً غريباً، والنقد أمراً غير مستحب، بينما تتلاشى تساؤلاتك، وتتحول إلى قناعات ثابتة لا تقبل الجدل.

ومع مرور الوقت، نشعر بأننا محاصرون في متاهة من الأفكار كلما ازداد تدفق المعلومات، زادت صعوبة التمييز بين الحقيقة والخيال.

يبدأ كل منا في تشكيل رواية خاصة به، مكونة من قطع متفرقة من الكذب والحقائق، مما يزيد من تعقيد الصورة نشعر بالرتابة أمام الأخبار، وكأننا نعيش في حلقة مفرغة من التأكيدات التي لا تنتهي.

هذا الكذب الإعلامي لا يقتصر فقط على الأفراد، بل يمتد تأثيره ليشمل المجتمعات بأسرها ، فيصبح التفاعل الاجتماعي مبنياً على معلومات مضللة، وتُبنى القرارات السياسية والاجتماعية على أسس هشة. نرى انقساماً حاداً في الآراء، وكأننا نعيش في عوالم متوازية، كل عالم يتغذى على أكاذيب خاصة به.

لذا، لا بد من إعادة التفكير في علاقتنا بالمعلومات يجب أن نتحلى بالوعي والقدرة على النقد، وأن نكون دائماً في حالة تساؤل.

علينا أن نتعلم كيفية فحص المعلومات، والبحث عن المصادر الموثوقة، وأن نكون على دراية بأن ما يُقدم لنا قد لا يكون بالضرورة الحقيقة. فالحقيقة تتطلب جهداً، وتفكيراً عميقاً، بينما الكذب يسهل الأمور بطريقة مريبة.

في نهاية المطاف، علينا أن ندرك أن الكذب الإعلامي يُعد عدواً خفياً، يحاول أن يُطفئ شعلة الفضول والتساؤل في نفوسنا. لنحافظ على قدرتنا على التفكير النقدي، ولنعتبره سلاحاً ضد هذا التحدي المتنامي. فالحقيقة، في نهاية المطاف، هي الطريق نحو الفهم العميق، وهي التي تضيء لنا دروب الحياة وتمنحنا القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة.

زر الذهاب إلى الأعلى