الصوت الجنوبي من ساحة النضال إلى أروقة العالم.

كتب : منى أحمد
جاء خطاب الرئيس القائد عيدروس الزٌبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي في منتدى الاتحاد من أجل التسامح في جنيف كحدث سياسي بارز يعكس التحولات العميقة في مسار القضية الجنوبية. لم يكن هذا الخطاب مجرد مشاركة روتينية في فعالية دولية، بل كان صوتًا جنوبيًا قويًا يشق طريقه بثقة نحو الساحة العالمية، حاملاً معه تطلعات شعب الجنوب ونضالاته التي بُنيت على مبادئ التصالح والتسامح، ومؤكدًا أن هذا الصوت لم يعد مقيدًا بحدود الجغرافيا أو سجلات الماضي، بل أصبح حاضرًا بقوة في المعادلة السياسة الإقليمية والدولية.
تحدث الرئيس الزٌبيدي بلغة واثقة تُبرز الجنوب ليس كرقم هامشي في المعادلة اليمنية، بل كلاعب رئيسي وشريك أساسي في قضايا الأمن الإقليمي والدولي. ركز على أن النضال الجنوبي لم يكن يومًا دعوة إلى الانفصال فقط، بل هو معركة من أجل الكرامة، الحرية، والعيش الكريم في وطن يليق بتضحيات أبنائه. من منصة جنيف، التي تستقطب أصواتًا عالمية تدافع عن قيم التسامح والسلام، حمل الزٌبيدي قضية الجنوب إلى جمهور جديد، مسلطًا الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها الجنوبيون والتحديات الأمنية والإنسانية التي يواجهونها، ليس فقط بسبب النزاعات الداخلية، بل أيضًا نتيجة تصاعد خطر الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وجماعة الحوثيين.
لم يكن الزٌبيدي يتحدث من موقع الدفاع، بل من موقع الفاعل الحقيقي في معركة مكافحة الإرهاب، مقدمًا أرقامًا صادمة عن حجم الخسائر التي تكبدتها قوات الجنوب في مواجهة هذه التنظيمات. كشف عن سقوط آلاف الضحايا بين شهيد وجريح، مؤكدًا أن هذه التضحيات لم تكن فقط دفاعًا عن الجنوب، بل عن أمن المنطقة والعالم بأسره. هذا الطرح أعاد صياغة القضية الجنوبية من صراع داخلي إلى جزء لا يتجزأ من معركة عالمية ضد التطرف، وهو ما يفتح الباب أمام المجتمع الدولي لإعادة النظر في مواقفهم تجاه الجنوب باعتباره شريكًا حيويًا في تحقيق الاستقرار.
أبرز الزٌبيدي أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجنوب، حيث يتحكم بشريان حيوي للتجارة الدولية يمتد من مضيق باب المندب إلى خليج عدن. لم يكن الهدف من هذا التذكير مجرد استعراض جغرافي، بل رسالة واضحة بأن استقرار الجنوب هو استقرار للأمن البحري العالمي، وأن أي تهديد في هذه المنطقة ستكون له تداعيات تتجاوز حدود اليمن لتطال الاقتصاد العالمي بأكمله. هذه الرسائل تعزز من حضور الصوت الجنوبي في أروقة صنع القرار الدولي، حيث المصالح الجيوسياسية تتحكم في الكثير من التوجهات والمواقف.
الزٌبيدي لم يكتفِ بتوصيف التحديات، بل قدم دعوة صريحة لتعزيز الشراكة الدولية مع الجنوب، مؤكدًا أن مكافحة الإرهاب تتطلب تعاونًا عالميًا يتجاوز الدعم العسكري ليشمل التعاون السياسي والاستخباراتي والدبلوماسي. كان الخطاب بمثابة إعلان أن الجنوب لم يعد مجرد متلقٍ للقرارات الدولية، بل أصبح طرفًا فاعلًا يسعى لصياغة سياسات تؤثر في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
أشاد الزٌبيدي بدور الأشقاء في السعودية والإمارات في دعم الجنوب، لكنه في الوقت نفسه وجه نداء صريحًا إلى المجتمع الدولي بضرورة الانخراط بشكل أكبر في دعم قضيته. هذه الدعوة لم تكن فقط طلبًا للمساعدة، بل تأكيدًا على أن الجنوب لديه ما يقدمه للعالم، سواء في مجال مكافحة الإرهاب أو في بناء نموذج سياسي يعزز قيم التسامح والتعايش.
جسّد الزٌبيدي روح الجنوب الحقيقية، تلك الروح التي لم تكسرها الحروب ولا المؤامرات. كان صوته صدى لكل جنوبي حمل حلم الحرية في قلبه وواجه الموت بشجاعة دفاعًا عن أرضه. لم يكن مجرد خطاب عابر في منتدى دولي، بل كان إعلانًا صريحًا بأن الجنوب حاضر، وأن قضيته لم تعد محصورة في زوايا النسيان، بل أصبحت تفرض نفسها على أجندة المجتمع الدولي.
اليوم، يتردد صدى الصوت الجنوبي في العواصم الكبرى، من جنيف إلى نيويورك، ومن عدن إلى كل مكان يبحث عن الحقيقة وسط ضجيج السياسة. إنه صوت يحمل معه تاريخًا من النضال، ومستقبلًا مليئًا بالأمل، وقضية عادلة لا تعرف الخضوع أو التراجع. الجنوب اليوم ليس مجرد قضية في ملفات السياسة، بل هو صوت حر ، يرتفع في وجه الظلم، ويطالب بمكانه الذي يستحقه في خريطة العالم.