مقالات وآراء

“المشهد الاستراتيجي الجديد في اليمن والجنوب” .. قراءة متأنية لمعادلات القوة والتغيير..!

كتب: جسار فاروق مكاوي

يشهد اليمن والجنوب على وجه الخصوص تحولات استراتيجية عميقة، تعكس تغير موازين القوى على المستويين المحلي والإقليمي. ومع استمرار الصراع وتعقد المشهد السياسي، يبرز المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف رئيسي فاعل في صياغة مستقبل الجنوب واستعادة دولته. في هذا السياق، يصبح من الضروري فهم التحديات والفرص التي تواجه الجنوب، واستعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبله.
الجنوب والمجلس الانتقالي: جذور القضية ودورها في المشهد السياسي
لطالما كانت القضية الجنوبية محورًا رئيسيًا في المشهد السياسي اليمني، حيث يمتلك الجنوب تاريخًا سياسيًا مستقلاً قبل الوحدة اليمنية عام 1990. وعلى الرغم من تعاقب الأحداث منذ حرب 1994، ظل الحراك الجنوبي والمطالبات باستعادة الدولة الجنوبية قائمة، إلى أن تشكّل المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 كإطار سياسي منظم يحمل تطلعات الجنوبيين.
يستند المجلس الانتقالي الجنوبي إلى شرعية شعبية واسعة، حيث نجح في ترسيخ حضوره كطرف رئيسي في المعادلة السياسية، سواء من خلال دوره في مواجهة الجماعات الإرهابية وحفظ الأمن، أو عبر مشاركته في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، مما يعزز موقعه التفاوضي في أي تسوية سياسية مستقبلية.
الأبعاد القانونية للقضية الجنوبية
من الضروري التأكيد على أن القضية الجنوبية ليست مجرد نزاع سياسي داخلي، بل هي قضية ذات أبعاد قانونية دولية. فالجنوب كان دولة مستقلة ومعترفًا بها قبل عام 1990، ما يمنح مشروعية للمطالبات باستعادة الدولة. كما أن قرارات مجلس الأمن مثل القرارين 924 و931 الصادرين عام 1994 تعترف بوجود أزمة سياسية بين طرفين، مما يعزز موقف المجلس الانتقالي في أي مفاوضات دولية.
التحديات التي تواجه الجنوب والمجلس الانتقالي
رغم التقدم الذي أحرزه المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن هناك تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات فاعلة للتعامل معها:
1. بناء المؤسسات: ضرورة تعزيز بناء مؤسسات الدولة الجنوبية لتكون قادرة على الإدارة الفعالة للدولة المستقبلية.
2. الوحدة الداخلية: تجاوز الخلافات بين المكونات الجنوبية المختلفة وتعزيز اللحمة الوطنية.
3. التحديات الأمنية: التصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار في عدن وغيرها من مناطق الجنوب.
4. الاستحقاقات الاقتصادية: مواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن التدهور المالي وانخفاض الموارد.
أهمية الشراكات الإقليمية والدولية
في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، يبرز دور الشراكات الاستراتيجية التي يبنيها المجلس الانتقالي مع دول التحالف العربي والمجتمع الدولي لضمان تحقيق الاستقرار واستعادة الحقوق المشروعة. فالتواجد السياسي والدبلوماسي للمجلس في المحافل الدولية يعزز من موقفه ويتيح فرصًا للحوار حول مستقبل الجنوب.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الجنوب
بناءً على المعطيات الحالية، يمكن طرح عدة سيناريوهات لمستقبل الجنوب:
سيناريو تحقيق تسوية سياسية عادلة تعترف بحق الجنوب في استعادة دولته وفقًا لمسار تفاوضي يضمن الاستقرار.
سيناريو استمرار الوضع الراهن وما يترتب عليه من أزمات اقتصادية وأمنية.
سيناريو فرض حلول غير عادلة، مما قد يؤدي إلى تصعيد سياسي وشعبي.
البعد الاقتصادي والتنمية المستدامة
لا يمكن الحديث عن مستقبل الجنوب دون التركيز على الاقتصاد، حيث يمثل الاستثمار في البنية التحتية واستغلال الموارد الطبيعية بطريقة عادلة، وتعزيز الاستقرار المالي، مفتاحًا لنجاح الدولة الجنوبية المستقبلية.
إن المشهد الاستراتيجي في اليمن والجنوب يتطلب رؤية واضحة، تستند إلى استراتيجيات قانونية، سياسية، وأمنية واقتصادية. وفي ظل هذه التحولات، يبقى المجلس الانتقالي الجنوبي في موقع مهم لصياغة مستقبل الجنوب، مستفيدًا من شرعيته الشعبية وعلاقاته الإقليمية والدولية، بما يضمن تحقيق تطلعات أبناء الجنوب في استعادة دولتهم المستقلة.

زر الذهاب إلى الأعلى