التسول في عدن .. بين الحاجة والاحتيال

كتب : عيشة صالح
عندما تسير في شوارع عدن، لا تحتاج إلى كثير من التأمل لتدرك أن التسول لم يعد مجرد ظاهرة، بل صار مشهداً ثابتاً في الحياة اليومية، كالأشجار العتيقة التي تنمو رغم شحة الماء. لم يعد التسول في عدن كما كان في الماضي: رجل مسن يفترش الأرض، أو امرأة تتوسل رغيف خبز لأطفالها. بل أصبح فناً يتقنه البعض، وصناعة يتوارثها البعض الآخر، ومهنة لها “أساليبها” و”مدارسها” و”حيلها”.
في كل زاوية، عند كل إشارة مرور، عند أبواب المساجد والأسواق والمطاعم، لا بد أن تجد يداً ممدودة، وعينين تنظران إليك بنظرات مدروسة، تحمل مزيجاً من الرجاء والتهديد الخفي : إن أعطيت، بارك الله فيك، وإن تجاهلت، ستحاصر بأنات متواصلة وكلمات مؤثرة، وربما دعوات غاضبة تلاحقك حتى تختفي عن الأنظار.
التسول في عدن أصبح أكثر تنظيماً مما نتصور. هناك فرق وجماعات، وهناك “رؤوس” تتحكم في توزيع المواقع، كأنها أحياء مقسمة بين تجار العقارات. هناك أطفال صغار يُدفعون إلى الشوارع منذ الفجر، يتقنون بكاء محسوب الجرعة، ويمتلكون عبارات محفوظة، بعضها يحمل رائحة دراما مكسيكية، وبعضها الآخر مستوحى من خطب الجمعة.
لكن المشكلة ليست في المتسولين وحدهم، بل في العقول التي تعتقد أن الحل هو إعطاء بعض الريالات ثم العودة إلى الحياة وكأن شيئاً لم يكن. المشكلة في غياب الرقابة، في الفقر الذي لا يجد مخرجه إلا في الطرقات، في العاطلين الذين وجدوا أن طلب المال أسهل من كسبه، وفي المتواطئين الذين يحمون هذه الظاهرة لأنهم مستفيدون منها.
هل الحل في المنع بالقوة؟ أم في تنظيم هذه الظاهرة وإيجاد بدائل حقيقية لمن يستحق المساعدة؟ أم أننا، ببساطة، سنواصل السير في شوارعنا، نتجاهل اليد الممدودة أحياناً، ونمد إليها القليل أحياناً أخرى، دون أن نعرف إن كنا نساعد محتاجاً أم نمول شبكة احتيال لا نهاية لها؟
في عدن، كما في مدن كثيرة، التسول لم يعد مجرد سؤال، بل أصبح لغزاً يحتاج إلى حل.