مقالات وآراء

حضرموت… ضرورة المراجعة وتصويب الخطاب الإعلامي الجنوبي

كتب: علي محمد سيقلي

في الوقت الذي يشهد فيه الجنوب متغيرات متسارعة، تبرز حضرموت اليوم كمؤشر حساس يستوجب وقفة تأمل ومراجعة صريحة.
إن ما يحدث هناك من حراك سياسي وإداري، خصوصًا بعد عودة الشيخ بن حبريش من العاصمة السعودية، يحمل في طياته رسائل لا ينبغي أن تُقرأ بخفة أو تُواجه بالإنكار، بل بالحكمة السياسية التي تحافظ على وحدة الصف الجنوبي وتراعي خصوصيات المحافظات.

لقد عبّر العديد من أبناء حضرموت، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن شعورٍ متنامٍ بالتهميش الإداري والإعلامي، وعن رفضٍ متزايد لتكرار نموذج “الإدارة المركزية” المطبّق في العاصمة المؤقتة عدن.
وإذا كنا جادين في الحفاظ على وحدة الجنوب، فلا بد أن نستمع لهذه الأصوات بعين مسؤولة، وندرك أن حضرموت لا تعارض المشروع الجنوبي، لكنها ترفض أن تُختزل خصوصيتها أو تُدار بأسلوب لا يناسب تركيبتها.

في هذا السياق، لا يمكن إنكار أن بعض السياسات الإعلامية والخطابات الصادرة عن مواقع رسمية أو محسوبة على سلطة الأمر الواقع، أسهمت دون قصد في تعميق الفجوة مع حضرموت. الفوقية الإعلامية، أو الخطاب الموحّد الذي لا يراعي التنوع الجنوبي، قد يؤدي إلى إضعاف اللحمة الداخلية، ويدفع بعض المحافظات للبحث عن مسارات موازية، وهو أمر يجب استباقه بتصحيح المسار لا بتبرير الخطأ.

وفي خضم هذا المشهد المعقّد، برز اليوم مفهوم “التنافس بالمليونيات” كأداة تعبير سياسي باتت تتكرر في الجنوب، وتُطرح اليوم في حضرموت كخيار يُلوّح به من قبل سلطة الأمر الواقع. غير أن التساؤل الجوهري الذي يفرض نفسه هنا: هل المليونيات وسيلة لإثبات الشعبية، أم أداة لحل الإشكاليات؟ وهل نخوض بها مواجهة، أم نبني بها توافقًا؟
إن المليونيات، في سياق حضرموت، قد تُفهم عن قصد أو غير قصد كوسيلة ضغط أو استعراض للقوة، أكثر من كونها منصة حوارية جامعة، وهذا يضعنا أمام إشكالية حقيقية، هل نحتاج اليوم إلى حشود جماهيرية، أم إلى رسائل طمأنة؟ هل نخاطب الشارع بالهتاف، أم نصغي إليه بالعقل؟؟

الحقيقة أن اللجوء إلى المليونيات قد يكون قرارًا ارتجاليًا إذا لم يُبنَ على قراءة دقيقة للواقع المحلي، وخصوصية المزاج الحضرمي، الذي لا يميل بطبيعته إلى التصعيد، بل إلى التفاوض والحلول الهادئة. وقد يؤدي أي حشد لا يحمل في طياته رسالة تطمين واضحة إلى تعميق الشعور بالاستهداف بدلًا من تجاوزه.

لذا، لا بد أن نُعيد التفكير في أدواتنا التعبيرية، فالتنافس الحقيقي لا يكون بالحشود، بل بمن يقدّم مشروعًا سياسيًا مقنعًا، وإدارة رشيدة، وخطابًا يحترم كل الأطياف. أما المليونيات، إن لم تكن مدروسة، فقد تتحول من رمز وحدة إلى شرارة انقسام.

حضرموت اليوم ليست مجرد محافظة جنوبية، بل هي عمق استراتيجي للمشروع الوطني الجنوبي، ومفتاح توازنه في وجه التحديات الإقليمية والدولية، وأي اختلال في العلاقة معها قد يفتح الباب أمام مشاريع تفكيك تستهدف الجنوب من بوابته الشرقية. بل إن أي انزلاق في حضرموت قد ينسحب على شبوة والمهرة وسقطرى، وهي محافظات لا تزال تحتفظ بقدر من التماسك، لكن التماسك لا يدوم في ظل خطاب يتجاهل المطالب، أو يُعمّم نماذج إدارية فاشلة.

إن المصلحة الوطنية تقتضي في هذا الوقت الحرج أن يعيد الإعلام الجنوبي ترتيب أدواته، وتحديث خطابه، بما يتماشى مع الواقع، لا مع الأوهام. والمطلوب اليوم، ليس التراجع عن الثوابت، بل حماية هذه الثوابت من خلال الاعتراف بالأخطاء ومعالجتها قبل فوات الأوان.

نحن بحاجة إلى خطاب عقلاني، جامع، يحترم التنوع الجنوبي، ويُطمئن أبناء حضرموت أنهم شركاء في القرار، لا مجرد ملحقين به.
أخيراً، ما يُطرح هنا ليس نقداً عدائياً، بل دعوة صادقة لإعادة تقييم الموقف، وتحقيق التوازن بين قيادة المشروع الجنوبي وتطلعات كل مكوناته. فأطياف حضرموت ليسوا خصومنا، بل شركائنا في الهم الجنوبي، لكنها تلوّح اليوم بإشارات وجب على الجميع التقاطها قبل أن تتجاوزنا الأحداث.

اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد .

زر الذهاب إلى الأعلى