لوادي حضرموت ومن فيه…!

كتب/ نجاة حسين
لوادي حضرموت ومن فيه.. تحية ود واحترام.
اعلموا مسبقًا بأنني سأحاول قدر استطاعتي أن أكتب لكم حروفًا ثابتة لا يزعزعها انهيار عملة، ولا هرولة صرف!
أما بعد..
قد تكون أحلامنا حضرمية جدًا، ضعيفة ومن فرط الأوضاع الاقتصادية تعاني من سوء تغذية حاد، لكننا مؤمنون جدًا بقضاء الله وقدره، وهذا يكفي!
أتعلمون شيئًا؟ مجرد الكتابة عنكم يجعلني أفقد أبجديتي لوهلة، الأمر الذي يربك ثمانية وعشرين حرفًا، والتي باعتقادي أنها هزيلة جدًا أمامكم. شعب عظيم مثلكم يُفقد الصور البلاغية قيمتها الجمالية بالنص، ولوهلة يظن القارئ بأنكم لو اجتمعتم بأعظم مقال لربح النص فقط لمجرد ذكركم فيه! والبقية ما هي إلا اجتهاد كتّاب لا أكثر!
لأهل حضرموت، للكادحين فيها، لمن ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، للعاملين، لمن ينفضون غبار الوهن والوجع من ثيابهم، وينهضون كل صباح حاملين همًّا عظيمًا.
لمن لا عمل له وللوجع الذي يعتصره كلما تذكر أنه عاجز!
لمن يكابد الجوع وقلة الحيلة كل يوم، متأملًا أن الأوضاع ستتحسن يومًا ما، وما هي إلا أيام ثقال نمر بها وتنتهي!
للذين يمرون كل يوم على المحلات الغذائية، يتفقدون الأسعار في سخط، ويتأملون كمية البضائع المهولة، والتي في المقابل لا يستطيعون شراءها لأنهم لا يملكون المال!
للجوع والخوف والكرامة، الذي بداخلكم، سلام من الله ورحمة منه تغشاكم، لتعوضكم بقدر ذاك الألم الذي يعتصر أيسر صدوركم كل صباح.
اللغة يا سادة تقف عاجزة وبداخلها ألف غصة!
إذ كيف لها أن تترجم صبركم وخذلانكم المتكرر لمجموعة حروف؟ مؤلمة جدًا الكتابة عن أوضاع قصمت ظهر الحضرمي، وجعلت من بقايا روحه تنازع إما البقاء أو الفناء، وكلا الخيارين صعب!
صدقوني، من شدة الأوضاع وبأسها تمنيت أن تصل لكم حروفي على هيئة حوالة تستلمونها عند أقرب صراف!
لزرعت على محياكم بسمة من بعد جفاف عارم اكتسح جل مشاعركم!
صدقًا، وددت لو كان بإمكان حروفي تضميد جرح غائر ألمّ بكم!
لكنني في نهاية المطاف، أحلامي حضرمية جدًا، تكاد تتبخر تحت قسوة الأوضاع وجنونها المستمر!
ليت بإمكان الأبجدية أن تضع فوق كل حرف دواء مسكن لكل علامات الرشح العام الذي أصابكم!
لكنني آسفة أن أخبركم بأنني حضرمية أيضًا، أقف في المنتصف دائمًا، وتكاد عقبات الطريق أن تصبح ديجورية هالكة. فلا أكاد أرى من فرط وقع الحياة وكأنها تنخر في العظم حتى بات الوهن والكلل مصابنا الجلل.
في حياة عيبها الوحيد أنها سريعة، سريعة جدًا، وتكاد من فرط سرعتها أن تسحقنا تحت عجلاتها!
وخلافًا عن كل ذلك، نقف صامدين مشحذين بهمّة عظيمة لا ندري من أين اكتسبناها، لكنها جعلت منا أبطالًا ذوي قوة خارقة، نتحدى أزماتنا اليومية بقوة ألف رجل. نواجه الطرقات المتهالكة وكأننا أبطال قادمون من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يقين بأن دار الدنيا دار عمل وليست دار جزاء.
ولكننا بالوقت ذاته نسينا – يا سادة – أن دار العمل تلك ليس الإقبال عليها يكمن في ملء البطون الخاوية، لأننا ومهما أشبعناها ستظل تئن وتتوجع. المعركة ليست فقرًا في الغذاء، وإنما فقرُ في العبادة!
أتعلمون شيئًا؟ نحتاج أن نعيد مراجعة ملفاتنا الإيمانية من جديد، نريد أن نعيد طريقة إقبالنا على الله، لعل اعوجاجًا أصابها ذات فجأة!
نحن لا نحتاج لمعجزة كونية كي تنتشلنا من قاع البؤس الذي نعيشه. نحتاج لخلوة مع الله، سجدة تختلف بها حياتنا عما قبلها!
ما رأيكم لو يكون لنا ورد استغفار يومي نصل فيه للألف استغفار في اليوم؟
لربما نعيد الروح الحضرمية التي فقدناها في خضم المعركة الحياتية الصعبة التي نعيشها.
واعلموا جيدًا أن الحضرمي قوي جدًا، كهضاب حضرموت الشامخة، أو أشد!
ويومًا ما، ليس ببعيد، ستعانق أحلامنا هضابنا!!