مقالات وآراء

المعركة الأخيرة لصالح من زاوية أخرى

بقلم / كمال صلاح الديني

من منظور جنوبي لا يمكن النظر إلى الفيلم الوثائقي “المعركة الأخيرة لصالح” إلا بإعتباره توثيقاً لفصلٍ مأساوي جديد في مسلسل الصراع على السلطة في الشمال، صراع يكشف مجدداً أن بنية الحكم في صنعاء، سواء تحت عباءة صالح أو عمامة الحوثي، لا تزال محكومة بمنطق القوة والغلبة لا بمنهج الدولة ومفهوم الشراكة…

لقد سعى الفيلم في سرديته إلى إضفاء طابع بطولي على نهاية الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، متغاضياً عن الجذور الحقيقية للمأساة، وهي أن صالح نفسه كان أحد أبرز صانعيها فهو من مهّد الطريق لتمكين الحوثيين من الوصول إلى سدّة الحكم، حين استثمر حضورهم “كورقة ضغط” ضد خصومه السياسيين عندما بدأت سلطته تتآكل عقب ثورة ٢٠١١م، فكان بذلك شريكاً مباشراً في إيصال البلاد إلى حافة الإنهيار، قبل أن ينقلب عليه تحالفه المؤقت ويبتلعه ..

ويتجاهل الفيلم عمداً دور طارق محمد عبدالله صالح عفاش، الذي شغل موقع المسؤول الأمني الأول في محيط عمه الرئيس الراحل ، وكأنما أُريد طيّ صفحة مسؤوليته ضمن مسعى أوسع لتلميع صورة العائلة الجمهورية “الزائفة”، تمهيداً لإعادة تسويقها كخيار سياسي محتمل في أي تسوية سياسية قادمة ..

كما بدا واضحاً في الفيلم ما يشبه السعي لتحميل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي مسؤولية سقوط صنعاء، عبر تسليط الضوء على قراراته في إعادة هيكلة الجيش والحرس الجمهوري، مع إغفال متعمّد لحقيقة أن معسكرات الحرس الجمهوري وأسلحة الدولة قد جرى تسليمها للحوثيين بإشراف مباشر من صالح ذاته، ما يؤكد أن مشهد سقوط صنعاء لم يكن نتيجة قرار فردي أو ضعف إداري، بل نتيجة خيانة سياسية ممنهجة.

ففي الجنوب، لا تعني هذه السردية إلا مزيداً من التأكيد على إتساع الفجوة بين مشروعين سياسيين متناقضين: مشروع في الشمال قائم على الهيمنة والسلاح والتحالفات الإنتهازية العارضة ، ومشروع في الجنوب يسعى لبناء كيان سياسي مستقل، يستند إلى تطلعات شعبية وشرعية ميدانية نابعة من التضحيات ، فبينما يُصوّر الوثائقي نهاية صالح كـ”خيانة”، فإن الجنوبيين يرونها نهاية طبيعية لرجل خان الجنوب بدءاً من حرب ١٩٩٤م التي قادها بنفسه، ومروراً بتمكين جماعة الحوثي من السيطرة على صنعاء ومؤسسات الدولة وإنتهاءً بإعادة الكرة لغزو العاصمة عدن في العام ٢٠١٥م عبر تحالفه الإنتهازي مع ذات الجماعة التي انتهت بقتله …

إن ما يكشفه هذا الفيلم، دون أن يقصد، من هشاشة التحالفات في الشمال وغياب مشروع جامع لبناء دولة، إنما هو في جوهره شهادة جديدة على صواب الموقف الجنوبي الساعي لفك الإرتباط وإستعادة دولته، بعيداً عن دوامة صراعات لا تنتهي، يدفع ثمنها الأبرياء وتُستهلك فيها القضايا… “فسقوط صالح”، كما يصوّره الفيلم، ليس إلا مشهداً شمالياً يعيد إنتاج الفشل ذاته، ويرسخ لدى الجنوبيين قناعة متجذرة بأن لا جدوى من إنتظار تسوية لا تؤسس لمشروع يضمن الشراكة أو يحترم التعدد، بل يعيد تدوير القوى ذاتها التي نكّلت بالجنوب، وانقلبت حتى على تحالفاتها الهشّة، لتواصل إنتاج الأزمة وتصديرها من جديد …

زر الذهاب إلى الأعلى