مقالات وآراء

الأزمات المفتعلة ومحاولات كسر إرادة الشعب الجنوبي: لعبة سياسية بائسة

كتب: حافظ الشجيفي

على مدار العقد الماضي، عاش الشعب الجنوبي تحت وطأة أزمات مُفتعلة ومُصممة بعناية لتحقيق هدف واحد: كسر إرادته، وإجباره على التنازل عن حقه التاريخي في استعادة دولته المستقلة. هذه الأزمات – الخدمية، الاقتصادية، المعيشية، وحتى الأمنية – لم تكن نتاج فشل إداري عابر، بل كانت جزءاً من استراتيجية ممنهجة لـ”تركيع” الجنوبيين، وتحويل قضيتهم العادلة إلى سلعة قابلة للمساومة. لكن السؤال الأهم: كيف تُركع الشعوب؟ وما هي علامات استسلامها؟

الركوع لا يعني السجود الجسدي، بل هو استسلام معنوي، تنازل عن المبادئ والاهداف والقضايا الوطنية الكبرى تحت ضغط الحاجة. وفي السياق السياسي، يظهر هذا الاستسلام عندما يخرج الشعب في مظاهرات سلمية “ذليلة” للمطالبة بتحسين الخدمات والاوضاع المعيشية بدلاً من المطالبة بحقوقه السياسية واهدافه الوطنية. حيث تعتبر هذه المظاهرات مؤشر للسلطات بأن الشعب قد استنفد طاقته، وأصبح مستعداً للتنازل عن قضيته الوطنية مقابل قطعة خبز أو لتر بنزين او قليل من الكهرباء والخدمات..

لكن المفارقة هنا أن الشعب الجنوبي، رغم كل المعاناة المُفتعلة – من انهيار العملة، وغياب الرواتب، وتدهور التعليم والصحة – رفض أن يلعب هذا الدور. ولم يخرج في مسيرات سلمية “مذلة”، ولم يتحول إلى أداة في يد من خططوا لأزماته. وهذا ما أربك الحسابات، وأثبت أن الأزمات الاقتصادية، مهما بلغت قسوتها، لا تستطيع قتل إرادة شعب يؤمن بحقه في تقرير مصيره. واستعادة دولته

عندما فشلت الأزمات المزمنة في تحقيق الهدف، ظهرت خطة بديلة: “مسرحية حضرموت”. مظاهرات مُنسقة،في حضرموت من قبل مجاميع مدفوعة ترفع شعارات الخدمات، ثم “استجابة” حكومية سريعة ومفاجئة بانخفاض سعر العملة الأجنبية. كل هذا لبيع وهم أن الاحتجاج السلمي هو الحل السحري. لكن الحقيقة كانت واضحة: هذه لعبة لإقناع شعب عدن بأن “الركوع” سيُطعمه، وأن الصبر على الأزمات لن يجدي نفعاً.

المشكلة في هذه الخطة أنها تنطوي على افتراض مهين: أن الجنوبيين سينخدعون بانخفاض مؤقت في سعر الدولار، وسيهرعون عندما ترتفع ايعار العملات مجددا إلى الشوارع مطالبين بالخدمات ومعالجة الاوضاع المعيسية على غرار مسرحية مظاهرة حضرموت متناسين أن الأزمة الاقتصادية نفسها مُصممة لتكون سلاحاً ضدهم. والأكثر سذاجة هو الاعتقاد أن الشعب، الذي صمد عشر سنوات أمام حروب الجوع والمرض، سيقع في فخ مسرحية مكشوفة.
فهل يدرك المجلس الانتقالي الجنوبي حقيقة هذه الألاعيب؟ فمن الواضح أن “الشرعية” – أو من يقف خلفها – تعمل على إعادة إنتاج الأزمات بطريقة ذكية، لتحوّل الشعب من طرف في معادلة سياسية إلى ضحية مستعد للقبول بأي حل، حتى لو كان تفريطاً في القضايا والتضحيات الوطنية الكبري

لكن التاريخ يُعلّمنا أن الشعوب التي ترفض الركوع لا تُهزم. والشعب الجنوبي لم ولن يخرج في مظاهرات “الاستسلام” لأن قضيته أكبر من أن تُختزل في خدمة كهرباء أو تنقيط عملة. ومع ذلك، فإن الخطر لا يزال قائماً: فالقوى التي تريد إخضاعه لن تتوقف عند حد، وقد تنتقل إلى خطط أكثر قسوة إذا فشلت هذه الحيلة.

الدرس الأهم هنا هو أن الأزمات المفتعلة ليست اختباراً للصبر، بل اختباراً للوعي. والشعب الجنوبي، بإدراكه لهذه الألعاب، أثبت أنه ليس قطيعاً يساق إلى الذل، بل شعباً يعرف أن استقلاله لا يُباع بأسعار السوق السوداء. والسؤال الآن: هل ستستمر القوى الخارجية في الاعتماد على أساليب بالية؟ أم أنها ستدرك أخيراً أن الشعوب الحرة لا تُركع بالجوع، بل تُهزم فقط عندما تنسى أنها حرة..

زر الذهاب إلى الأعلى