“بعسسة” قررت أن أكون إنساناً عاقلًا..!

كتب: علي سيقلي
في أحد الأيام العابرة في سجل مشواري، قررت أن أكون إنسانًا عاقلًا. عاقلًا بالمقاييس الرسمية، لا بمقاييس عامة الناس.
لا أصدق الإشاعات، لا أقترض من المحاسب بضمانة حافزي الشهري، لا أتناقش في السياسة مع مديري في الشغل، ولا أكتب في سيرة الديناصورات، كيف عاشت، ولماذا انقرضت؟
ولا أفتح باب قلبي لأحد يتحدث عن “النية الطيبة” في هذا الزمن الأنظف من الزريبة.
مر يومي الأول كعاقل كافي شيري خري، بسلام، لكن بشيء من الملل، لم أعد أنفعل حين يخبرني أحدهم أن الدنيا “ما عاد فيها خير”، ولم أرد على صديقي حين قال لي إن “الوقت كالسيف إن لم تقطعه، أكلت هواء”
اكتفيت بالسخرية، وقلت في سري، “خل أبوها تحرق حريق”.
في اليوم الثاني، حاولت أن أمارس حياتي وفق قاعدة “خذ الأمور ببساطة”. فحين نسى صديقي أن يعيد لي كتابي الذي استلفه منذ أشهر، قلت: ربما هو يقرأه سطرا سطرا بإخلاص، حتى اكتشفت بالصدفة إنه باعه لواحد يبيع زعقة.
وحين رأيت جاري يرمي القمامة عند بابي، قلت، لا بأس “لعله خير”، قد تكون هذه رسالة كونية لأتخلص من التعلق بالمكان وأنجو بجلدي.
وبسبب الصوت العالي لشباب “مقاطيع” عاطلين عن التفكير ، مخزنين بركن الحافة على أنغام أغنية “يا وليد يا نينوه، كم لي ونا صابر”، على إثرها قمت أتفقد “جهالي” فوجدت العدد مكتمل، وقلت في نفسي “اللهم لك الحمد”.
جارتي الحجة نسيم تبكي بحرقة، سألتها خير يا أمي، أيش في؟
قالت بعت ذهبي وذهب بناتي، واشتريت “دباب” لإبني السربوت “مايكل شوماخر”، واليوم عمل حادث في الطريق البحري، وقالوا لي “عوضك على الله يا حجة”.
بعد أسبوع من هذا “العقل الساكن”، اكتشفت أنني تحولت من عاقل محترم، إلى “أهبل” نمرة واستمارة.
الناس لا تحترم العاقل إن بالغ في عقله،
بل يُنظر إليه ككائن فضائي موجود، “زي قلته”، لكن لا أحد يسأل عن شعوره.
اكتشفت أيضا أن الخابور الأول في الحياة لا ينسى، لكنه ضروري.
وأن العاقل ليس من لا يُلدغ، بل من يتظاهر باللامبالاة بعد اللدغة، ويغيّر مكانه، ولا يمد أصبعه مرة أخرى لنفس الثعبان.
العبرة..؟
الحياة مدرسة مجنونة، والمدرس فيها يشرح الدرس بعد أن يرسب نصف الفصل، أما الساخر، فهو التلميذ الوحيد الذي يرسب ويضحك، يفهم متأخراً، لكنه يكتب المعلومة على جدار الحمام، لا في الدفتر، حتى لا ينساها مرة أخرى.