عوراء تخطط في القمر مغرومة

كتب: مسعود عمشوش
لقد أصبحنا اليوم نعيش في عالم يعتمد كليًّا على العلم والتقنيات الرقمية المتطورة، وبات من الصعب أن نتصور أن شخصاً ما، مهما بلغت خبرته، يمكن أن يمارس مهنته دون إتقان التعامل مع الأجهزة الرقمية الحديثة. واليوم، في هذا العصر الذي لا يحتمل المغالطة ولا المحاباة ولا المجاملة، لا تغني الخبرة ولا القرابة ولا الوجاهة عن العلم والكفاءة.
ولا شك أن من أهم أسباب تخلفنا وتخبّطنا وتعرضنا للخسائر الفادحة اليوم: انتشار ظاهرة المحاباة والمحسوبية عند التعيين في الوظائف العامة، وعدم وضع المرأة أو الرجل المناسب في المكان المناسب. ومثلما لدينا وزراء عابرين للقارات والوزارات ويتنقلون من وزارة إلى وزارة، لدينا مئات الوكلاء والمدراء والمسؤولين الذين يتنقلون من مؤسسة إلى أخرى بكل بساطة وبغض النظر عن تخصصهم ومؤهلاتهم. ومن المؤكد أننا، في ظل تفشي هذه الظاهرة ورفضنا الاعتماد على الكفاءات المتخصصة ووضع المرأة أو الرجل المناسب في المكان المناسب، لن نستطيع تحقيق التقدم والتنمية المستدامة.
ومن المؤكد إن إقدام كثير من الوزراء والمسؤولين على فرض أبنائهم أو أقربائهم الأميين أو شبه الأميين، – ليس فقط في الحاسوب لكن حتى في الكتابة والقراءة، – في مناصب رفيعة أو لشغل وظيفة تتطلب في الواقع إلى كادر متخصص ومؤهل لن يترتب عليه إلا تعطيل عجلة البناء في بلادنا، ومصالح الناس وفشل مؤسساتنا، وبالتالي انسداد مجاري الصرف الصحي والسيول وغرق الحسوة والبريقة وغيرها من المناطق التي لا تصلح للبناء.
وفي الوقت الذي علينا فيه أن نتعامل بشكل ذكي مع الكفاءات التي لدينا ونقدرها ونتجنب تطفيشها وإجبارها على مغادرة البلاد، وعلينا الحد من إقحام المنطلقات الحزبية والولاءات الشخصية عند التعيين، هناك من لا يزال يصر وبقوة على إعطاء الأولوية لابنه مهما كان مستواه وتخصصه ويتجاهل أن الوظيفة العامة أمانة دينية ومسؤولية قانونية وأدبية نؤدي من خلالها خدمة الوطن والمواطنين. وهناك من جعل التعيين في الوظائف العامة وسيلة مقايضة ومساومة ومحاصصة وكسب ولاءات حزبية وسياسية، ومالية. والنتيجة تمّ في بلادنا ترشيح شخص ضعيف السمع لمراقبة الصوت في إحدى قنواتنا الفضائية، وشخص أعور أو لا يكاد يرى في برج المراقبة في أحد مطاراتنا. وهناك من تخرج من المعهد الزراعي ويشرف على تخطيط التوسعة العمرانية في إحدى مدننا. وهناك نواب وزراء ووكلاء ستستغرب فعلا كيف تم تعيينهم إذا تعرفت على مستواهم العلمي. إلى درجة أن الأجانب أصبحوا يتندرون علينا وعلى ظاهرة تولي الجهلة والفاشلين في الدراسة زمام الأمور في بلادنا.
وفي اعتقادي أن علينا، لتجاوز هذه الظاهرة، أن نبدأ بوضع قاعدة بيانات دقيقة للكفاءات الموجودة في جميع محافظات بلادنا، غير تلك التي أكل عليها الدهر وشرب في رفوف مكاتب الخدمة المدنية، والاعتماد على تلك الكفاءات المتخصصة ووضعها في الأماكن المناسبة لتخصص كل منها، وتفعيل الرقابة ومبادئ العقاب والثواب. وعلينا أن نسرع في التأهيل في التخصصات التي لا يوجد لدينا مؤهلين فيها، وأن نترك لأبنائنا وبناتنا حرية اختيار التخصص الذي يرغبون فيه ويتناسب مع قدراتهم. فللأسف هناك كثير من الناس يصرون على إلحاق بناتهم أو أبنائهم بكلية الطب بغض النظر عن مستوياتهم أو رغباتهم.
ونختتم بالتذكير أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد قال: (إذا وُسِّدَ الأَمر لغير أهله فانتظروا الساعة).