مقالات وآراء

التعليم الخاص في الجنوب بين مطرقة الرسوم وسندان غياب المعايير

كتب د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري.

لم يعد خافياً على أحد أن واقع التعليم في بعض المدارس الخاصة خاصة في محافظة عدن، بات مأزوماً إلى حد يبعث على القلق والخوف على مستقبل الأجيال. فالتلميذ في تلك المدارس يقف اليوم بين مطرقتين قاسيتين: مطرقة الرسوم الدراسية المرتفعة التي تثقل كاهل الأسر حتى صارت عبئاً يفوق طاقتهم، وسندان غياب أي تخفيض أو مراعاة لما يُعلن في شعارات وزارة التربية أو إدارات التعليم. فالأهالي يدفعون الكثير، ومع ذلك لا يجدون المقابل الحقيقي على الواقع الذي يبرر تلك المبالغ الطائلة.

والأدهى من ذلك أن بعض هذه المدارس، في غياب معايير تربوية واضحة ومُلزمة، تحولت إلى مشاريع تجارية بحتة، يهمها الربح أولاً وأخيراً، بينما يُترك الطالب في دائرة الفراغ التربوي والتعليمي. فلا منهجية علمية دقيقة، ولا كفاءة في الكادر، ولا التزام في بعض المدارس بمعايير المبنى المدرسي التي تحفظ للتلميذ حقه في بيئة آمنة وصحية ومناسبة للتعلم.

أين المعايير من بعض هذه المدارس التي ينبغي أن تضمن أن المدرسة ليست مجرد جدران، بل بيئة تربوية متكاملة؟ أين الرقابة والتفتيش الدوري الذي يكشف الخلل قبل أن يتفاقم؟ أين دور وزارة التربية والتعليم، إن لم يكن في حماية الطلاب وأولياء الأمور من هذا الاستغلال الفاضح؟

لقد صار بعض من المدارس الخاصة اليوم أسواقاً مفتوحة، تبيع الوهم تحت لافتة “التعليم المتميز”، بينما الحقيقة أن التعليم يُختزل في شهادات شكلية لا تُغني ولا تُسمن من جوع. إن إهمال الرقابة والتقييم المستمر فتح الباب واسعاً أمام العبث، حتى صار مستقبل الأجيال رهينة إدارة غير مؤهلة، ومعايير غائبة، ووزارة تقف موقف المتفرج.

إننا نوجه رسالة شديدة اللهجة إلى المعنيين تحت وزارة التربية والتعليم: التعليم ليس سلعة تُباع وتشترى بلا ضابط، ولا يجوز أن يتحول مستقبل الطلاب إلى تجارة موسمية تُدار بعقلية السوق. على الوزارة أن توجه بأن تفرض رقابة صارمة، ومعايير إلزامية واضحة تشمل:

تحديد سقف عادل للرسوم الدراسية، مع مراعاة الأوضاع الاقتصادية للأسر ويشرف على تنفيذها بالواقع وبالعملة المحلية والضرب بيد من حديد ضد من يخالف.دون هوادة.

إلزام بعض المدارس الخاصة بمعايير مبانٍ مدرسية آمنة وصحية.

مراجعة مؤهلات الكادر التعليمي بشكل دوري في بعض واغلب المدارس الخاصة.

وضع نظام تفتيش وتقييم مستمر، لا شكلي، على مدار العام الدراسي.

تشجيع وتكريم المدارس الخاصة المتفوقة ليحذوا حذوها بقية المدارس.

إن استمرار هذا الوضع هو إعلان ضمني بتصفية التعليم العام لصالح التعليم التجاري، وتحويل المدرسة من منارة للعلم إلى متجر يبيع الدرجات والشهادات. وهو ما يُشكل خطراً على الهوية التربوية الوطنية وعلى التنمية المستقبلية للبلاد.

كفى عبثاً بالتعليم، وكفى استهتاراً بعقول الأجيال وعرق الآباء. التعليم أمانة، وإن لم تؤدَّ هذه الأمانة اليوم كما ينبغي، فستحاسب الأجيال القادمة الجميع: إدارة ومدارس ووزارة.

التعليم الأهلي و الخاص يحتاج إصلاحاً جذرياً، لا ترقيعاً، قبل أن يتحول إلى مقصلة تقطع أوصال المستقبل.

#باحث أول مركز البحوث والتطوير التربوي.
رئيس نقابة الباحثين الأكاديميين التربويين الجنوبيين.

زر الذهاب إلى الأعلى