الحلقة ( 2 – 3 ).. ردود الأفعال المحتملة على تصريح الرئيس عيدروس الزُبيدي حول إمكانية ضم مأرب وتعز للجغرافيا السياسية للجنوب

كتب المستشار: ضياء المحورق
نكمل التحليل في الجزء الثاني ونتناول ردود الفعل المحتملة على تصريح الرئيس عيدروس الزُبيدي، مع تفصيل مواقف الداخل اليمني، والإقليم، والمجتمع الدولي، لأن كل طرف سيفسره بطريقته وسيعيد حساباته على ضوء هذا الكلام. كما سيتم استعرض لبعض النتائج المتوقعة مستقبلاً.
🔸 أولاً: الردود الداخلية (في الشمال والجنوب والحوثيون):
🔵 1. في الجنوب:
القوى الجنوبية المؤيدة للانتقالي ستعتبر التصريح توسعاً طبيعياً لمشروع الجنوب وإشارة إلى أن الجنوب لم يعد حبيس حدوده القديمة، بل قادر على التمدد الفكري والجغرافي وفقاً للمصلحة الوطنية.
والبعض قد يراه تحولاً تكتيكياً ذكياً من مشروع “التحرير الصارم” إلى مشروع “الدولة الاتحادية الجنوبية الموسعة”، وهذا يجعل الخطاب أكثر قبولاً دولياً.
في المقابل، قد يُثير التصريح تحفظات لدى بعض التيارات الجنوبية التقليدية (خصوصاً قوى الحراك الجنوبي تيار استعادة الدولة بحدود 1990) الذين قد يخشون أن يؤدي ضم مناطق من الشمال إلى تمييع هوية الجنوب الأصلية، وقد يرونه أيضاً كفخ آخر مثل الذي وقع فيه علي سالم البيض عند توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية.
🔴 2. في الشمال القوى المناهضة للحوثي:
القوى المناهضة للحوثي (مثل المؤتمر الشعبي العام، الإصلاح والقبائل في مأرب وبعض القوى الوطنية في تعز) ستنظر للتصريح من عدة زوايا:
المؤتمر الشعبي العام وبعض القوى الوطنية في تعز ستراه فرصة سياسية للهروب من الهيمنة الحوثية وقطع ذراع الاصلاح على المناطق المحررة من الشمال والانضمام إلى مشروع أكثر إستقراراً وانفتاحاً ومدنية (مشروع الجنوب). بل والاكثر من هذا أن المؤتمر الشعبي العام (الحزب الذي يعتبر أكثر انفتاحاً ومرونة بين القوى الشمالية) قد يوطد من علاقاته مع المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل أكبر كحليف استراتيجي وداعم أساسي له لإعادة سيطرته على الشمال كأكثر قوة مهيئة ومؤهلة.
قسم آخر (خاصة حزب الإصلاح) سيعتبره تهديداً للوحدة اليمنية ومحاولة “استقطاب” الشماليين لصالح مشروع الانفصال. وقد يتحالف مع الحوثي في هذا المضمار.
النخب الزيدية التقليدية ستتعامل مع التصريح بحذر شديد، وستراه تجاوزاً خطيراً للخط الأحمر التاريخي (حدود الشمال والجنوب)، وقد تدفع الحوثيين لاستخدامه كذريعة لتوحيد الشماليين ضد الجنوب.
🟢 3. الحوثيين:
الحوثيون سيفسرون التصريح بأنه محاولة لتقسيم الشمال وإضعافه من الداخل.
ومن المرجح أن يستخدموا هذا التصريح لتصعيد خطابهم الإعلامي ضد الإنتقالي، واتهامه بأنه أداة إماراتية لتمزيق اليمن وهم بهذا سيتوافقون مع الإصلاح.
لكن في العمق، سيشعر الحوثيون بقلق كبير جداً من أن تنضم مأرب والبيضاء واب وتعز للمشروع الجنوبي كتحالف شافعي، لأن ذلك سيعني فقدانهم السيطرة على العمق الجنوبي – الغربي لمناطقهم، ويقطع عليهم الطريق نحو البحر العربي ويبدد من احلام سيطرتهم على باب المندب الجنوبي.
🔸 ثانياً: ردود الفعل الإقليمية:
المملكة العربية السعودية:
السعودية ستقرأ التصريح بعين براغماتية:
من جهة، ستجد فيه بوادر استقرار إذا ضم مناطق شمالية معادية للحوثي إلى كيان سياسي مستقر (الجنوب).
ومن جهة أخرى، ستتوخى الحذر لأن أي تغيير في خارطة اليمن قد يؤثر على التوازن الحدودي والمصالح الأمنية في مأرب والوديعة.
بمعنى آخر: السعودية لن تعارض التصريح علناً، لكنها ستراقب بصمت وتحاول توجيهه بما يخدم مصالحها.
الإمارات العربية المتحدة:
على الأرجح الإمارات سترحب ضمنياً بالتصريح، لأنها تتبنى منذ البداية مشروع الجنوب المستقر، وتدرك أن أي تمدد سياسي للإنتقالي نحو مناطق شمالية معتدلة يعزز نفوذها الإقليمي عبر الجنوب.
وقد ترى الإمارات في فكرة “الحكم الذاتي لمناطق شمالية ضمن دولة الجنوب” نموذجاً مشابهاً للاتحاد الإماراتي نفسه، ما يجعلها داعماً طبيعياً لهذه الرؤية.
🔸 ثالثاً: ردود الفعل الدولية:
🌍 المجتمع الدولي (أمريكا، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي)
التصريح قد يثير اهتماماً كبيراً في دوائر صنع القرار الغربية لأنه يقدم خياراً جديداً للحل السياسي خارج الثنائية التقليدية (حوثي–شرعية).
بعض الدبلوماسيين قد يرون في طرح الزبيدي واقعية سياسية تتماشى مع فكرة “الفيدرالية أو التقسيم الناعم” كحل للأزمة اليمنية.
في المقابل، ستبقى الأمم المتحدة حذرة، لأنها لا تريد الاعتراف بأي تغيير في الحدود قبل اتفاق شامل، لكنها ستتعامل مع الزبيدي كـ فاعل سياسي أساسي في أي مفاوضات قادمة.
🔸 رابعاً: النتائج والتوقعات المستقبلية
1. توسيع هامش المناورة السياسية للانتقالي:
التصريح يمنحه مساحة للتفاوض أوسع تمكنه أن يتحدث باسم الجنوب، وباسم مناطق شمالية متحالفة معه أيضاً.
2. تهيئة لمشروع “التحالف الإقليمي الجنوبي”:
الإمارات والبحرين وربما السعودية قد تنظر لاحقًا لمشروع دولة الجنوب الموسعة كمنطقة استقرار إقليمي جديدة تمتد على طول الساحل العربي.
3. ضغط إضافي على مجلس القيادة الرئاسي:
لأن الزبيدي بهذا التصريح يضع نفسه كصاحب رؤية استراتيجية واضحة، بينما باقي أعضاء المجلس يظهرون بلا مشروع أو هدف نهائي.
4. احتمال تحريك خرائط المفاوضات القادمة:
أي حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة قد يأخذ هذا التصريح كأحد السيناريوهات الواقعية ضمن خيارات “ما بعد الحرب”.
الخلاصة:
تصريح عيدروس الزبيدي ليس مجرد رأي سياسي، بل رسم أولي لخارطة يمن جديدة محتملة:
– دولة جنوبية إتحادية مدنية موسعة تشمل (مأرب والبيضاء واب وتعز) بحكم ذاتي.
– شمال حوثي منغلق.
انتهى الفصل الثاني…
ويليه الفصل الثالث: التحليل الاستراتيجي العميق لتأثير تصريح الزُبيدي على مستقبل الحل السياسي في اليمن وعلى توازن القوى بين الأطراف المحلية والمجتمع الدولي.