14 أكتوبر.. ثورة متجددة ونصر يقترب

كتب/ رامي الردفاني
في الجنوب، لا تقاس الأيام بالواقع المهين، بل تقاس بالدم والذاكرة..
وفي الرابع عشر من أكتوبر، لا نحيي ذكرى، بل نُوقظ المعنى ونُوقظ الجبال التي نطقت بالرصاص، والوديان التي حملت صدى الأناشيد، والوجوه التي غابت لتبقى في كل حجرٍ وشارع وراية ذكرى لا تنتهي.
ومن ردفان، حيث لا تنحني القمم، ابتدأت الحكاية، ولم تكن بندقية الشهيد راجح لبوزة مجرد طلقة في وجه الاستعمار البريطاني، بل كانت إعلاناً بأن الجنوب لا يُستعبد، لا يُباع، ولا يُكسر، وكانت مثابة الثورة الأولى، وكانت البداية.
في نوفمبر 1967، خرج آخر جندي بريطاني من عدن، ووقف الجنوب منتصباً، يكتب أول سطر في كتاب السيادة..
ولكن الكتاب لم يكتمل، ففي 1994 دخلت جحافل صنعاء، لا كأشقاء، بل كغزاة. دخلوا بالدبابات لا بالاتفاقات، دخلوا ليكسروا الحلم ويعيدوا الجنوب إلى زمن لم يكن فيه سيداً على أرضه.
ومنذ ذلك اليوم، لم يهدأ الجنوب ولم يرضَ بالهزيمة، ولم ينسَ الخيانة، حيث تحولت الثورة من بندقية إلى حراك شعبي، ومن مظاهرة إلى مشروع، ومن صرخة إلى خارطة طريق، وبكل شهيد في شبوة، كل مقاوم في الضالع، كل صوت في ساحة المعلا، هو امتداد لأكتوبر، لا انفصال عنه.
اليوم، الجنوب لا ينتظر، بل يستعد للاستقلال الثاني، ليس حلماً مؤجلاً، بل واقعاً يُصاغ في كل موقف، ويُكتب في كل بيان، ويُرسم في كل تضحية، لكون الجنوب اليوم أكثر وعياً، أكثر تنظيماً، وأكثر حضوراً. لم يعد يطلب الاعتراف، بل يفرضه بنفسه للعالم.
وفي ذكرى 14 أكتوبر، لا نُحيي الماضي، بل نُعلن المستقبل.. نُعلن أن الجنوب، الذي طرد الاستعمار البريطاني، قادر على طرد الاحتلال اليمني.. نُعلن أن الأرض التي أنجبت الثوار، لا تنجب الخنوع.. نُعلن أن الجنوب، من المهرة إلى باب المندب، لا يُحكم إلا بإرادته، ولا يكتب إلا باسمه.
إن الجنوب لا يساوم، الجنوب لا يتراجع، الجنوب لا يُهزم، وها هو الاستقلال الثاني يلوح في الأفق، لا كحلم، بل كحقيقة تنتظر التوقيع.