في ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة

بقلم/ المحامي مثنى السفياني
يحل علينا العيد الـ62 لثورة أكتوبر المجيدة، التي قامت ضد المحتل الإنجليزي البغيض في وطننا الجنوبي الحر العزيز، والتي اندلعت بتاريخ 14 أكتوبر 1963م واستمرت أربع سنوات متتالية حتى تم طرد الإنجليز من كل ثرى أرضنا الطيبة الطاهرة، وإعلان الاستقلال الناجز في الـ30 من نوفمبر عام 1967م وقيام الدولة الوطنية.
عند نجاح الثورة ونيل الاستقلال باعتباره الهدف الأعظم للثورة، اتجهت الدولة إلى تحقيق بقية الأهداف للثورة العظيمة، وهو التغيير الشامل والكامل في كافة جوانب الحياة، وأهمها الجانب السياسي الذي ينقل الناس إلى عهد جديد.
إن المفهوم العام للثورات هو إحداث تغيير شامل لكافة جوانب الحياة، هكذا هو تعريف الثورة عند علماء الاجتماع والسياسة وكل المختصين.
ولكن التغيير الشامل في ثورات التحرير من المحتلين لا يمكن حدوثه إلا في حال انتصرت الثورة، وليس في مرحلة الثورة نفسها.
في العالم نماذج كثيرة للثورات التي ما زالت مستمرة، ولنا في الثورة الفلسطينية خير مثال.
الأوطان التي تندلع فيها ثورات التحرير لا يمكن لها إحداث التغيير الشامل والجذري لكل مناحي الحياة إلا في حال حققت الهدف الأساسي وهو التحرير، ثم يأتي بعد ذلك مفهوم التغيير الجذري. فهذا شيء مؤكد، ومع ذلك يمكن لها إحداث بعض التغييرات خلال مرحلة الثورة، وكل ذلك يعتمد على الظروف المحيطة بالثورة.
قد يقول قائل: وهل الثورات جميعاً لا يمكن أن تُسمى هكذا إلا إذا كانت ثورات تحرير فقط؟ إذاً ماذا نسمي الثورات الكبيرة التي أحدثت تغييرات ليس في محيطها بل على مستوى العالم، مثل ثورة البلاشفة في روسيا (الثورة الاشتراكية) أو الثورة الفرنسية التي قامت ضد الملكية، وفيها تأسست الجمهورية الفرنسية الأولى؟
نحن لم نقل ذلك، ولكننا تكلمنا عن مفهوم الثورات التحررية التي تعاني من الاحتلال فقط، لأن الثورات التي تندلع ضد العدو المحتل هدفها الأول التحرير والقضاء على المحتل، ثم يأتي بعدها التغيير الجذري. وإن لم يحصل تغيير جذري لكافة مناحي الحياة تكون قد حققت هدفاً أعظم وهو إخراج المحتل وتطهير الأرض. هكذا هو المفهوم الأول لثورات التحرر التي يعرفها العالم، فمليون شهيد جزائري كان هدفهم الأول هو طرد المحتل الفرنسي البغيض من أرضهم، ليحكم العرب أنفسهم في أرض الجزائر الحرة بنظام جمهوري أو حتى ملكي عبر نظام وطني مستقل، وهكذا بقية ثورات التحرر من الاحتلال.
أما مسألة الثورات الداخلية التي تندلع ضد الأنظمة الحاكمة فهي تسعى إلى التغيير الجذري لنظام الحكم، ومن ثم التغيير الشامل في كل مناحي الحياة. وبالتالي فإن هدفها الأساسي هو التغيير والقضاء على الأنظمة الفاسدة والظالمة التي يرى صانعو تلك الثورات أن مجتمعاتهم بحاجة إلى التغيير الشامل، وأن التغيير لن يأتي إلا بثورات تقضي على الأنظمة القائمة التي تُدار من قبل الحكام المحليين، حتى وإن كان أولئك الحكام متحالفين مع دول أخرى، ولكنه في الأخير يظل المفهوم أنها أنظمة وطنية ظالمة، لكون مفهوم الاحتلال هو أن تكون البلاد محتلة من قبل بلد آخر.
وعندما تندلع أي ثورة تحررية فليس أمامها إلا استكمال التحرير الناجز والكامل، ولو استمر النضال طويلاً، وخير دليل هو ثورة أكتوبر المجيدة التي استمرت أربع سنوات متتالية بكفاح مسلح حتى عام 1967م، والتي نحتفل بذكراها الخالدة الآن.
بقلم المحامي
مثنى السفياني
14 أكتوبر 2025م