مقالات وآراء

ذاكرة السقطري الأخير في حرب 94م

كتب/ أسماء العليمي

في ذكرى الرابع عشر من أكتوبر، يوم الثورة الجنوبية المجيدة، لا نحيي فقط ذاكرة التحرر من الاستعمار، بل نستعيد أيضًا قصص الأبطال الذين سطّروا صفحات الشرف بدمائهم. أولئك الذين حملوا راية الجنوب في أحلك الظروف، ومن بينهم السقطري الأخير الذي خاض حرب 1994 في قاعدة العند.

كان والدي أحد أولئك الرجال الذين آمنوا بالواجب قبل كل شيء. حين فُرضت الوحدة في عام 1990 بين الشمال والجنوب، لم تكن بالنسبة للجنوبيين حلمًا جميلاً كما رُوِّج لها، بل كانت خطوة غامضة حملت في طيّاتها الخوف والقلق من ضياع هوية الجنوب وقراره. ولم تمضِ سوى أربع سنوات حتى اندلعت حرب 1994، بعد أن تأكد للجنوبيين أن ما سُمِّي وحدة لم يكن شراكة، بل هيمنة واستحواذ.

في تلك اللحظات المصيرية، كان أبي يعمل في قاعدة العند نائبًا لقائد شؤون الأسلحة، وكان السقطري الوحيد هناك. عاش الحرب بكل تفاصيلها، رأى الانفجار المروع الذي هز القاعدة، وتطايرت شظايا الذخائر من حوله. نجا من الموت بأعجوبة، لكنه لم ينجُ من وجع الذكرى – وجع الخيانة التي طعنت الجنوب باسم الوحدة، ووجع زملائه الذين سقطوا وهم يدافعون عن شرف الأرض والهوية.

لم يكن أبي مجرد جنديٍ نجا من حرب، بل كان شاهدًا على مرحلةٍ غيّرت وجه الجنوب. كان يرى كيف تحولت البنادق التي رُفعت للوطن إلى أدوات قهرٍ وفرضٍ بالقوة. ومع ذلك، ظلّ يحمل في قلبه إيمانًا لا ينكسر بأن الجنوب مهما تعرّض للخذلان سيظل شامخًا مثل جبال سقطرى، لا يلين ولا يُمحى من التاريخ.

اليوم، ونحن نُحيي ذكرى 14 أكتوبر، لا نُكرّم فقط ثوار الأمس الذين قاوموا الاستعمار، بل نُكرّم أيضًا أبطال الجنوب الذين صمدوا في حرب 94، أولئك الذين دافعوا عن كرامة وطنٍ لم يتخلّ عن حلمه رغم الجراح.
لقد دفعوا الثمن غاليًا، وكتبوا بدمائهم أن الجنوب لا يُهزم، وأن الوفاء لتضحياتهم هو عهدٌ علينا جميعًا.

زر الذهاب إلى الأعلى