مشاعر

كتب/ نادرة حنبلة
وأنا أستعيد بعضاً مما عشته في حياتي وكأنه حاضر بنفس الإحساس، كنت طفلة أجيد الاستماع ومراقبة ما يحدث، وكنا في القطيع نستمع لخطابات الزعيم جمال عبد الناصر، نستمع لتلك الأناشيد التي تتغلغل في النفس لتشعل الصدور حماسة. كنا عشاق الكرامة وحماسة المقاومة.
الجو حينذاك كان حماسياً، عفوياً، وطنياً: الله أكبر، الله أكبر، يا بلادي كبري… وفدائي فدائي. وأنشودة: أنا الشعب، أنا الشعب… كلمات كانت تنادي أعماقنا لتنطلق بصوت المرشدي.. أنا عربي، أنا عربي، لأن العروبة في معناها الكبير كانت حاضرة، وتوحيد الأمة العربية كان أقوى، لتنطلق ثورة 14 أكتوبر من قمم ردفان، لتنطلق بعدها المقاومة ضد الاحتلال البريطاني.
أتذكر التظاهرات التي كانت تدور في مناطق كريتر: السوق الطويل، زكو، الزعفران، ومشاركة الجميع في التعاضد، وانطلاق الكفاح المسلح، لتُفتح كل أبواب بيوتنا للمقاومة للاختباء عند تنفيذ أي مهمة. انتقلنا من كريتر إلى المنصورة وانتقلت معنا أحلام الاستقلال وكُره الاحتلال لأرضنا. في تلك الفترة كان لا يمكن أن يحكمنا كافر، والإنجليز بالنسبة لنا كفرة ومحتلون لأرضنا. وكلمات عبدالناصر في الأذهان، والمقاومة تشتد ونحن رغم سننا الطفولي كبرنا على مشاعر العزة..
الكرامة، الشموخ، ومشاعر اعتلت في نفوسنا وأوقدت فينا الشعور بالحرية ونبذ الاحتلال..
ساهمنا صغاراً في التظاهرات، وتلقينا حرقة مسيلات الدموع، وتعلمنا الركض، ومع الأيام تعلمنا مقارعة الاحتلال بالحجارة دون خوف، ولم نفر من أمامه.
اشتدت المقاومة.. تفجيرات ألغام تحت الدبابات، الهجوم على تكتل من الجنود البريطانيين، مساعدة المقاومين بنقل ما يمكن نقله من مدد: طعام، سلاح، إسعافات أولية.. كنا أبطالاً صغاراً..
كان لثورة الرابع عشر من أكتوبر وهجاً عظيماً في سماء بلدنا، ليعانق وهج الثلاثين من نوفمبر ونيلنا الاستقلال الذي كنا نقاوم لأجله… وكان بناء دولتنا عسيراً، لكنه كان يسيراً بسبب وطنيتنا وحبنا لأرضنا.. ضرب الشعب في الجنوب العربي مثلاً لحكمة القيادة واحتواء الشعب لكل تغيير أصبحت عليه دولتنا، من التقدم والإنجازات العلمية والتعليمية والثقافية، مخلدة وتذكر حتى يومنا الحاضر، لأننا شعب نستلهم من تاريخنا العزة والكرامة ونبذ العبودية، ولا نقبل بأي احتلال.. وسنستعيد دولتنا بلا شك، لأننا نستمد هذا الشعور من إلهام رجالات الجنوب، وسنصنع النصر بكل تأكيد، بإذن الله تعالى.