مقالات وآراء

نقد غياب النزاهة الفكرية والضمير النقدي والمصداقية في الفضاء العام

بقلم / المستشار . م . بدر علي أحمد

المقال البحثي:

يشكّل غياب النزاهة الفكرية والضمير النقدي والمصداقية في الفضاء العام أحد أبرز مظاهر التراجع الحضاري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. إذ باتت الساحة الثقافية والفكرية والإعلامية تعاني من اختلالات عميقة، أضعفت دور المثقف وحوّلته في كثير من الأحيان إلى تابع للسلطة أو لمن يمتلك المال والنفوذ، بعد أن كان يُفترض أن يكون ضمير الأمة وناقدها الحرّ.

أولاً:
معنى غياب النزاهة الفكرية والضمير النقدي ..
إن غياب النزاهة الفكرية يعني أن يتحول الفكر إلى أداة للمصالح الخاصة، لا وسيلة للبحث عن الحقيقة أو الدفاع عنها. كما أن غياب الضمير النقدي يجعل من الخطاب الثقافي والإعلامي مجرد صدى لخطاب السلطة أو رأس المال، فيغيب الوعي الحر، وتُطفأ جذوة السؤال، وتُقمع روح النقد البنّاء التي تنهض بها الأمم.

ثانياً:
المثقف بين التبعية والنقد ..
لقد أصبح دور المثقف في كثير من أوطاننا تابعاً للسلطة أو للأثرياء، لا ناقداً لها. ويبرز هذا المشهد بوضوح في دولٍ عديدة، لعلّ اليمن من أبرزها، حيث تفاقم الأمر بصورة صارخة منذ عام 2015م، مع تصاعد نفوذ النيوليبرالية الإقليمية وحلفائها الخارجيين، الذين أحكموا السيطرة على القرار السيادي في الداخل.

ثالثاً:
تدهور المعيشة والاستبداد السياسي ..
لا يمكن إغفال العلاقة بين تدهور مستوى المعيشة وانتشار الفقر والخشية من الجوع، وبين خضوع الناس لسياسات الاستبداد. فعندما تتخلى الدولة عن مسؤوليتها في حماية المواطن وتأمين احتياجاته الأساسية، يتحول الخوف من الفقر إلى وسيلة فعالة لإخضاع المجتمع. وتتعامل بعض السلطات بعقلية التاجر أو الحاكم المستبد الذي لا يعنيه من أمر الشعب إلا تحصيل الجبايات لتسيير شؤون الحكومة، بينما تُعتبر ثروات الوطن ملكاً شخصياً له ولأبنائه من بعده.

رابعاً:
المثقف التابع وصناعة الفضاء المغلق ..
تسعى بعض الأنظمة السياسية، بمساندة حلفائها الخارجيين، إلى السيطرة على الفضاء العام من خلال مثقفين تابعين لها أو إعلاميين باعوا أقلامهم، بهدف إنتاج فضاء سياسي وإعلامي مغلق، يقوّض التعددية ويضعف قدرة الجمهور على تكوين رأي مستنير يقوم على النقاش الحر واحترام الحقائق. وبهذا تُغلق نوافذ الحوار الحقيقي، ويُختزل الرأي العام في ترديد ما تمليه السلطة.

خامساً:
ثقافة الخضوع ودور بعض رجال الدين ..
لقد أدّى هذا الواقع إلى أن تتقبل الشعوب حالة الاستبداد والإفقار وكأنها قدرٌ محتوم من السماء. والأسوأ أن بعض رجال الدين أسهموا، بوعي أو بدونه، في ترسيخ ثقافة الخضوع والاستسلام، عبر تبرير الواقع السياسي والاجتماعي وتجميله بخطاب ديني يفتقر إلى روح العدل والحرية.

سادساً:
نحو استعادة دور المثقف الحر ..
يبقى السؤال الملحّ: لماذا لا يحدث العكس؟ لماذا لا يكون المثقف في أوطاننا ناقداً للسلطة لا تابعاً لها؟ أليس هذا ما يمليه ضمير الإنسانية؟
إن النزاهة الفكرية والضمير النقدي والمصداقية ليست ترفاً فكرياً، بل هي السبيل الأسمى لإنقاذ الأمة، وإحياء روح الحضارة في أوطاننا. فالأمم لا تنهض إلا بعقولٍ حرة، وضمائر يقظة، ومثقفين صادقين يحملون همّ الحقيقة والعدالة، لا همّ المصالح والمناصب.

ملاحظة:
نرجو المشاركة في اغناء المقال بملاحضتكم النقدية كما إذا سمحت لنا الفرصة والوقت في المرة القادمة سنعمل على اعادة صياغة مع إضافة ملاحضتكم القيمة ، لكم كل الود والاحترام والتقدير.

بقلم / أ . م . بدرمقبل

زر الذهاب إلى الأعلى