قصة علاء بقلب أسد.

قصة في أدب الطفل
: لـ عيشة صالح محمد
علاء في الصف السادس، يعيش مع أمه وأخته الصغرى، أما أبوه فهو لا يراه سوى في الأعياد والمناسبات وذلك لأنه يعمل في مدينة بعيدة عن مدينتهم.
وكان علاء ولداً ذكياً ومهذباً، وكل زملائه في المدرسة يحبونه، ولكن هناك شيء يضايقه كل يوم، وهو تصرفات زميليه أمجد ونبيل.
كان أمجد ونبيل يتعمدان إلقاء الكلمات الساخرة على علاء، ويضحكان على أي تصرف يقوم به، فمرة من المرات عند انتهاء الدوام المدرسي كان علاء يجمع أدواته في حقيبته استعداداً للمغادرة، فمر أمجد من جانبه وتعمد دفع حقيبته فسقطت على الأرض وتبعثر ما بداخلها، وقال له :
• “اجمعها مرة أخرى”
ثم قام الاثنان -أمجد ونبيل- بالضحك، عندها شعر علاء بالاستياء وقال لهما :
• “سوف أشكوكما عند المشرف”
بعدها غادر الاثنان وهما يعيدان نفس جملته “سوف أشكوكما عند المشرف” ويضحكان سخرية منه، ثم جمع علاء أدواته من جديد وغادر المدرسة.
كان علاء حزيناً طوال الوقت؛ لأنه لم يتمكن من إيقاف أمجد ونبيل عن مضايقته والسخرية منه، وكان يشعر بالإحراج لتعرضه للإهانة أمام بقية زملائه.
في أحد الأيام كان علاء يسير في الطريق راجعاً إلى بيته، فتبعه أمجد ونبيل، واقترب منه نبيل وسحب قارورة الماء المعلقة على كتفه، فقال له علاء :
• “أعد لي قارورتي”
فرد عليه نبيل :
• “خذها إن استطعت”
وقذفها إلى أمجد، ثم أخذا يتقاذفانها بينهما، وعلاء يطالبهما بالتوقف عما يفعلان ولكنهما لا يستجيبان.
غضب علاء كثيراً واندفع نحو نبيل ليأخذ قارورته ولكن نبيل قذفها إلى أمجد، ثم أمسك بعلاء وطرحه أرضاً، وسدد إليه عدداً من اللكمات على وجهه، ولم يستطع علاء تخليص نفسه.
بعد دقائق اقترب أحد المارة فاستنجد به علاء، عندها أفلته أمجد ورمى بالقارورة على الأرض ثم فر مع صاحبه.
عندما عاد علاء إلى منزله ورأته والدته وهو متسخ الثياب وعلى وجهه خدوش، أدركت أنه تعارك مع أحدهم؛ فليست هذه المرة الأولى التي يعود بها علاء بهذا المنظر، فقالت له والدته :
• “ومع من تعاركت هذه المرة؟”
رد عليها علاء بنبرة انكسار:
• “إنه نبيل”
• ومتى ستدافع عن نفسك، إنه بعمرك بل أنت أكبر منه حجماً، ولكنك أخرق.
سكت علاء وظل صامتاً ووالدته توبخه فكلامها زاده حزناً فوق حزنه، ثم ذهب لتبديل ملابسه.
كان علاء يفكر بطريقة يدافع بها عن نفسه أمام الأولاد الذي يعتدون عليه، وفي المساء أثناء جلوسه أمام التلفاز رأى مشهداً للعبة الكاراتيه، فقرر حينها أن يتدرب على هذه اللعبة الدفاعية ليتمكن من الدفاع عن نفسه.
ذهب علاء إلى أمه وأخبرها بقراره فوافقت، ومن اليوم التالي ذهب للتسجيل في النادي الذي لا يبعد عن بيته كثيراً، وبدأ التدريبات عند مدرب يدعى حمزة.
بعد ثلاثة أشهر من التدريبات حصل علاء على الحزام الأصفر بمعنى أنه أصبح يتقن أساسيات اللعبة.
وفي أحد الأيام وفي طريق عودته من المدرسة لاحظ أن أمجد ونبيل يتبعانه، وحاول أن يسرع في مشيه حتى لا يصطدم بهما فهو لا يحب إثارة المشاكل.
لكن أمجد جرى ووقف أمامه ونبيل ظل خلفه، أراد علاء أن يلتف من جانب أمجد ويواصل سيره ولكن أمجد كان يعترضه كلما تحرك، فقرر علاء أن يدافع عن نفسه هذه المرة فقال لهما :
• “دعوني أمر وإلا ضربتكما فأنا متدرب على الكاراتيه”
فضحك الاثنان بسخرية وقال أمجد :
• “انظر من يهددنا”
عندها ارتبك علاء وقال :
• “أنتما اثنان وأنا واحد”
فقال له أمجد :
• “إذاً اختر واحد منا لتتعارك معه ولا يتدخل الآخر، ونحن موافقان”
فقال علاء : “ولماذا نتعارك؟ أريد فقط المضي في طريقي”
رد نبيل بسخرية وهو يضحك بصوت عال :
• “أرنا مهارتك في الكاراتيه أيها البطل”
ثم رمى كل واحد منهما حقيبته على الأرض وشمرا عن أكمامهما وأخذا ينظران إلى علاء بنظرات حقد وشر، فزاد ارتباك علاء، ثم تنحى نبيل وتقدم أمجد ليتعارك معه.
رفع علاء يده ليصد أمجد ولكن أمجد هجم عليه بكل جسده وأوقعه أرضاً، وبدأ بلكم علاء وتمزيق قميصه، فصرخ علاء :
كفى، ابتعد عني
فقال له أمجد :
سأبتعد بعد أن تقول أنك مهزوم،
فأراد علاء أن يخلص نفسه فقال :
حسنا أنا مهزوم”
بعدها تركه أمجد وحمل حقيبته وابتعد هو ونبيل وهما يرددان : “مهزوم، مهزوم” ثم قام علاء ينفض التراب عن ملابسه وأخذ حقيبته وعاد إلى المنزل.
دخل علاء المنزل وما إن رأته والدته بالمنظر المزري حتى أخذت تولول وتصيح :
أنت لا ينفع معك كاراتيه ولا حتى مصارعة، ما دام قلبك ضعيف، يا خسارة رسوم التدريب.
في عصر نفس اليوم ذهب علاء إلى النادي وقال لمدربه حمزة :
لن أتدرب اليوم، جئت فقط لأخبرك أنني منسحب من التدريب.
فرد عليه المدرب حمزة باستغراب :
إنك في تقدم مستمر، هل حدث معك شيء؟
قال علاء :
لم استفد شيئاً من التدريب،
قال المدرب حمزة :
وما الذي جعلك تحدد ذلك؟
كان علاء يرى المدرب حمزة مثل أخيه الأكبر ويحترمه كثيراً، لأن حمزة كان متفهماً ويحسن الإنصات والتوجيه، فحدثه علاء بكل وضوح عما حدث له، وعن معاناته المستمرة من عدم قدرته على الدفاع عن نفسه، وكانت هذه المرة الأولى التي يتكلم فيها علاء عن معاناته مع أحد.
استمع المدرب حمزة باهتمام إلى حديث علاء ثم قال له :
يا علاء لا يكفي أن يكون جسدك قوياً وتمتلك حركات دفاعية، بل يجب أن يكون قلبك قوياً كذلك.
قال له علاء :
وكيف يكون قلبي قوياً؟”
قال المدرب حمزة :
سأقول لك شيئاً يفيدك في حياتك”
ظل علاء صامتاً ينظر إلى المدرب باهتمام.
ثم واصل المدرب حديثه قائلاً :
يجب أن تقوي أولاً ثقتك بنفسك، وتتخلص من خوفك من الآخرين، وتضع في حسابك أن الناس لن تضع لك قيمة ما لم تضعها أنت لنفسك”
وقال كذلك : “إذا جاء أمامك أحد الأولاد المتنمرين يحاول استفزازك لا تهرب منه ولا تترجاه التوقف ولا ترتبك، بل قف أمامه بثبات وانظر إلى عينيه مباشرة بحدة وتكلم بقوة وقل له بلهجة الآمر ‘توقف عما تفعله’ ولا تنتظر رده بل استمر في طريقك، فإنه حينها سيهابك وإن رأيته يتبعك ويحاول الاشتباك معك فلا تهرب بل تقدم نحوه وباغته بالهجوم ولا تكن أبداً مدافعاً، ربما تصاب ببعض الكدمات لكنها ستكون آخر مرة، وسيفكرون ألف مرة قبل الاشتباك معك، أريدك أن تكون بقلب أسد”.
أعجب علاء بنصائح المدرب حمزة وشعر أنه بإمكانه أن يفعل ذلك.
في اليوم التالي ذهب علاء إلى مدرسته بروح جديدة، وعند انتهاء الدوام كالمعتاد يجمع أدواته في حقيبته، اقترب منه أمجد ونبيل ومد أمجد يده ليوقع حقيبة علاء فأمسك علاء بيده ولواها بقوة ثم أفلتها وهو ينظر إلى عيني أمجد قائلاً بثبات :
في المرة القادمة إن حاولت سأكسرها لك، ثم مضى في طريقه وكان أمجد واقفاً مشدوها من التغير الذي طرأ على علاء فأخذ ينظر إلى نبيل وقال :
أتظنه سيفعل؟
قال نبيل :
سنلحق به خارج المدرسة ونرى ما سيفعله، وفي الطريق تبعه الاثنان وسارا خلفه وكانا يتمتمان ببعض الألفاظ، وهو يسير في طريقه دون أن يلتفت إليهما وكأنهما غير موجودين.
ثم قال أمجد :
• “إنك غريب الأطوار”
فرد عليه علاء ضاحكاً :
• “يسعدني ذلك، فما شأنك”
تعجب أمجد ونبيل من رده، ثم في محاولة أخيرة لاستفزازه أعطى أمجد حقيبته لنبيل استعدادا للعراك مع علاء فلما رآه علاء رمى حقيبته على الأرض وهجم على أمجد وتعاركا ولم يكتف علاء بتفادي اللكمات بل كان هو من يسددها إلى وجه أمجد وبدأ أمجد يتراجع إلى الوراء ولكن علاء أخذ يجذبه من قميصه حتى أوقعه وثبت ظهره على الأرض وقال له بحدة وهو ينظر إلى عينيه :
• “قل إن هذه آخر مرة تعترض بها طريقي”
نظر أمجد إلى نبيل وهو مثبت بركبتي علاء ويديه وقال :
• “خلصني يا نبيل”
وأثناء ذلك تجمع عدد من الأولاد ورأوا ما يحدث وقال أحدهم :
• “خلص نفسك ليس من البطولة أن يكون اثنان ضد واحد”
ثم أحس أمجد بالألم فقال :
• حسنا هذه آخر مرة أعترض فيها طريقك، فتركه بعدها علاء وحمل حقيبته ومضى بثبات لا يلتفت وراءه وجميع الأولاد ينظرون إليه باندهاش، وبعدها لم يتجرأ أحد على استفزازه.
 
				