آداب وفنون

قصة «تحيا مزرعة الحيوانات» .

قصة : عيشة صالح محمد

في إحدى المزارع يعيش مجموعة من الحيوانات بسلام ووئام،خروف ونعجة وحمار وأتان وثور وبقرة وأرنب وأنثاه، وديك وعدد من الدجاجات ، وكلب وكلبة للحراسة، وجراؤهما، وصغار بقية الحيوانات، وسنجاب واحد، وكان في المزرعة وفرة من الزرع والحبوب والماء، وكل ما تحتاجه الحيوانات تجده في هذه المزرعة الجميلة.

ولكن لم يدم الحال، ففي يوم مشؤوم هاجمت الفئران المزرعة، وعبثت بما فيها، وقرضت المحاصيل ومخزون الطعام، ولم تتمكن الحيوانات من منعها، لتسللها سرا في الليل، وكثرة عددها.

وفي الصباح ظهر ما خلفته الفئران من خراب، وغضبت الحيوانات من فعلها، وأخذوا ينددون بها، ويشنعون عليها، وبعد مضي ساعات هدأت الحيوانات وذهب كل لعمله.

استسهلت الفئران الأمر وظلت تعاود الهجوم على المزرعة المرة تلو الأخرى، والحيوانات عاجزة عن ردعها ومنعها، وفي كل مرة يحاولون إصلاح ما تفسده الفئران، وما إن ينتهوا من ذلك حتى تداهمهم الفئران مرة أخرى.

وذات صباح ودع الحمار أصدقاءه الحيوانات ، فسأله الثور :

– إلى أين أنت ذاهب؟

رد الحمار:

– سأغادر المزرعة، لا أستطيع أن أعيش فيها بعد اليوم، إني أتوق لحياة أفضل، إن الفئران لم يتركوا لنا مجالا لنعيش بسلام.

قال الثور:

– ولكن يا صديقي علينا أن نبقى هنا؛ لنحمي مزرعتنا من تخريب الفئران.

قال الحمار:

– لا يا صديقي، لقد انتهت مزرعتنا، لن أدفن نفسي حياً فيها.

لم يقتنع الحمار بكلام الثور وغادر المزرعة، وحينها قال الثور:

– إنها خسارة أن يغادرنا الحمار وهو حيوان قوي نحتاجه معنا، لو كان الأرنب فعل ذلك لما ندمت عليه.

سمع الأرنب ما قاله الثور، دون تعقيب من الحيوانات، فتأثر بذلك ولكنه كتمها في نفسه، وقال : ” الآن عرفت مكانتي عند الحيوانات”

وفي إحدى الليالي كان الأرنب مستيقظا، فلمح فأرا يتسلل وحده إلى داخل المزرعة، فاعترض طريقه وقال :

– أيها الفأر، لمَ تهاجم مزرعتنا أنت ورفاقك الفئران؟

رد الفأر بعدم اكتراث قائلا:

– تنحَّ عن طريقي أيها الأرنب، دعني أخذ ما أريده من المزرعة، ولن أؤذيك.

قال الأرنب :

– ولكنك ورفاقك تخربون مزرعتنا.

قال الفأر:

– ما الشيء الذي يخصك في المزرعة؟

أجاب الأرنب:

– يخصني الجزر.

قال الفأر:

إذن لن نقترب من الجزر خاصتك، فنحن نحبك أنت دونا عن بقية الحيوانات.

قال الأرنب مبتهجا :

– حقا؟

قال الفأر:

– نعم، فأنت أرنب طيب مسالم، ومتى ما كنت كذلك فلن نتسبب لك بالأذى.

قال الأرنب :

– وأنا لن أعترضكم طالما لن تقتربوا من جزري.

أخذ الفأر بعد ذلك يصول ويجول في المزرعة، وتبعه أصحابه الفئران، فثقبوا أكياس الحبوب وأكلوا منها، وعبثوا بالخضروات، وغاصوا في أوعية السمن، وانتزعوا البيض من تحت الفراخ الراقدة عليه، والأرنب يراقبهم من بعيد متجاهلا ما يفعلون.

وفي الصباح بدأت الحيوانات تصلح ما أفسده الفئران، وتنظف المزرعة بتدمر، فالوضع أصبح اعتياديا، وأمرا واقعا، والأرنب يشاركهم في ما يفعلون وكأن شيئا لم يكن.

فجأة ودون مقدمات تكلم الثور مع الديك عن ضرورة أن تجتمع الحيوانات لمناقشة أمر المزرعة، وطلب منه أن يعلن الخبر للجميع، ففعل الديك ما طلبه الثور منه، ونادى البقرة والخروف والنعجة والأرنب وكلب الحراسة، والدجاجات، وصغار الحيوانات، فلبوا جميعا النداء، وكان الثور ينتظرهم وسط المزرعة، وحينما مثلوا أمامه وألقى إليهم التحية، عجت الأصوات مع التصفيق :  يحيا الثور، يحيا الثور.

كان السنجاب حاضرا في اجتماع الحيوانات، وعندما بدأ الثور بالحديث استوقفه الكلب وقال :

– أيها الثور، هذا اجتماع لحيوانات المزرعة، فلماذا يتواجد السنجاب معنا؟

عندها قال السنجاب بامتعاض :

– وما دخلك أنت أيها الكلب الغيور؟

قال الكلب بحنق :

– أنت من حيوانات الغابة ولست منا، فلا يحق لك الاجتماع معنا.

رد السنجاب :

– أنا أعيش هنا منذ مدة، بعد أن تركت الغابة ، يصيبني ما يصيبكم، فمن حقي أن أشارك في الحل.

قال الكلب :

– لا … لا شأن لك في نقاشاتنا، هذه قضية داخلية تخص مزرعتنا.

رفع الثور صوته قائلا :

– كفاكما نزاعا، طلبت من الجميع الحضور لنحل مشكلة قائمة، لا أن نصنع مشكلة جديدة.

ظل الكلب والسنجاب يتجادلان، وبقية الحيوانات تحاول التوفيق بينهما، وتركوا القضية الأساسية التي اجتمعوا لأجلها، فارتفع خوار الثور كي يرغمهم على الهدوء، وقال :

– يمنع الحديث، ويؤجل الاجتماع إلى وقت آخر، هيا تفرقي أيتها الحيوانات المزعجة.

بعدها تفرقت الحيوانات وذهب كل إلى عمله،  لكن السنجاب ظل حاقدا على الكلب، وقال في نفسه : “لقد كنت مخلصا لهذه المزرعة، وفي نيتي أن أقدم ما بوسعي من حلول لإنقاذها من طغيان الفئران، ولكن ليس بعد ما حدث اليوم”

وفي المساء بينما كان السنجاب نائما، جاء إليه الأرنب، وأخذ يوقظه، فاستيقظ مذعورا، فقال له الأرنب :

– لا تخف أنا الأرنب.

قال السنجاب :

– وماذا تريد مني في هذه الساعة المتأخرة يا أرنب؟

أجاب الأرنب :

– جئت لأقول لك إنني متضامن معك، لأن هذه الحيوانات لا تقدرك ولا تعترف بفضلك، وهذا ما سبق وفعلته معي.

أعجب السنجاب بكلام الأرنب وقال له :

– أنت الوحيد الذي نصرتني، دعنا نكون يدا واحدة، وننتقم من الحيوانات المتعجرفة.

قال الأرنب :

– هذا ما أيقظتك من أجله.

ودار حديث طويل بين السنجاب والأرنب وبعدها اتفقا على التضامن مع الفئران، وتركها تعبث في المزرعة، عقابا للحيوانات. فكانت الفئران تدخل المزرعة تحت سمع ونظر الأرنب والسنجاب، وبقية الحيوانات لا تعلم بذلك.

ومع مرور الوقت أصبحت المزرعة خاوية على عروشها، ليس فيها شيء يؤكل، وجاعت الحيوانات، حتى الأرنب والسنجاب لم يجدا ما يأكلانه فالمصير واحد، وكلما اجتمع بهم الثور لا يخرجون بحل، فقال السنجاب للأرنب :

– نحن الاثنان صديقان للفئران، لم لا نذهب إليهم ليساعدونا، لقد جعنا.

استحسن الأرنب فكرة السنجاب وذهب الاثنان إلى الفئران، وشكيا إليهم الجوع والفاقة، فقال كبير الفئران بسخرية :

– ارجعا إلى مزرعتكما الخربة، فقد انتهت أهميتكما لدينا.

عاد السنجاب والأرنب يجران أذيال الخيبة، وفي الطريق قال الأرنب للسنجاب :

– لا خيار لنا سوى العودة إلى مزرعتنا.

رد السنجاب :

– هذا خيارك أنت، أما أنا سأعود إلى غابتي التي ولدت فيها.

وتفرق الصديقان، اتجه السنجاب نحو الغابة، ومضى الأرنب في طريقه إلى المزرعة، وعندما وصل وجد الحيوانات مجتمعة تستمع إلى صوت يخطب قائلا :

– لا تيأسوا سنعيد مزرعتنا كما كانت، بالعمل والإخلاص، وسنحميها بكل ما أوتينا من قوة، ومن هذه اللحظة.

تعالى تصفيق جميع الحيوانات وهي تهتف .. “تحيا المزرعة … تحيا المزرعة” واقترب الأرنب فإذا بأحد الخرفان الصغيرة، يعتلي خشبة على الأرض، هو من كان يخطب بكل حماس، وحوله بقية الخرفان الصغيرة والعجول والجراء وفراخ الدجاج وكل صغار الحيوانات، تليها الحيوانات الكبيرة، فهمس الأرنب للديك :

– ماذا يحدث؟

قال الديك :

– نحن في عهد جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى