قصة”زعتر في البرية”.
قصة : عيشة صالح محمد
في مزرعة يملكها أحد المزارعين، يعيش حمار صغير اسمه زعتر. الحمار زعتر مخلص في عمله، فمالك المزرعة يعتمد عليه في نقل الأشياء على ظهره، لكنه دائما ما يحلم بأن يكون حيوانا آخر، وليس كما هو الحال مع الحمير الأخرى. راوده حلم بأن يكون حيوانا بريا وسريعا كالغزال، أو حيوانا يمتلك أناقة وسرعة كالفهد.
قال زعتر محدثا نفسه: “آه كم أتمنى أن أصبح غزالا أو فهدا، لأعيش في البراري الواسعة، حياة المغامرات”.
في يومٍ من الأيام، وبعد يوم طويل من العمل في حقل المزارع، جلس زعتر للراحة تحت شجرة كبيرة.
“الآن سأستريح تحت هذه الشجرة”
انتبه إلى وجود كتاب قديم، نسيه المزارع حيث كان يقرأ فيه، فأخذه زعتر وقلب في صفحاته.
“ما هذا؟ كتاب؟!”
استوقفته قصة عنوانها غريب، أخذ زعتر يقرأ القصة العجيبة. حكت القصة عن نجمة ساحرة تستطيع تحقيق أي أمنية. وبينما كان زعتر يقرأ، شعر بالدهشة والتشويق لاكتشاف ما إذا كانت هذه القصة حقيقية بالفعل.
يا إلهي، هل حقا توجد نجمة ساحرة تحقق الأمنيات، كما يقول الكتاب؟
وصف الكتاب تلك النجمة بأنها كبيرة وساطعة وتظهر في الشرق منتصف الليل، في ليلة لا قمر فيها، قرر زعتر أن يبحث عن تلك النجمة الساحرة؛ ليتحقق من وجودها، وبعد عدة ليال من البحث المضني، وجدها.
إنها هناك، لقد وجدتها، كما وصف الكتاب، نجمة كبيرة ساطعة شرقا في منتصف الليل، ولا قمر في السماء.
بدأ زعتر يتحدث إلى النجمة :
أيتها النجمة الساحرة، حوليني إلى غزال.
وانتظر بشغف لعلها فعلا تقوم بتحقيق الأماني كما يقول الكتاب. وظل يراقب النجمة حتى غلبه النعاس ونام، ليستيقظ في الصباح غزالا جميلا يمشي برشاقة وسرعة، ولكنه ليس في المزرعة، نظر حوله فأيقن أنه في البرية، فصاح بأعلى صوته :
أخيرا سأعيش حياة البراري كغزال.
ولكن سرعان ما واجه زعتر صعوبات جديدة. لم يكن على دراية كافية بكيفية التعامل مع الأخطار التي تواجه الغزلان.
إني جائع وعطشان، علي أن أحصل على طعام وماء.
نظر بعيدا فلمح عشبا أخضر، وجدول ماء، وهم بالجري نحوه، ثم توقف فجأة.
ذئب .. إنه ذئب! علي الاختباء، ولكن أين؟
ارتعد زعتر من الخوف واختبأ خلف صخرة، وبينما هو مختبئ رأى كثيرا من الذئاب تحوم حول المكان.
يا إلهي… أرجو ألا أكون وجبة غداء لأحد هذه الذئاب
ظل مختبئا وقد نسي جوعه وعطشه وهو يقول في نفسه :
لا أريد أن أكون غزالا، لا أريد سوى السلامة والنجاة.
لم يكن زعتر يعلم كيف يتجنب الذئاب المفترسة؟ وكيف يجد غذاءه في البرية؟ اكتشف أن حياة البرية قاسية بشكل لم يتخيله، تحتاج إلى قوة ومهارة تختلف عما لديه، اكتشف أن الأماني وحدها لا تكفي في حياة قاسية كهذه.
بعد أيام من المعاناة في البرية، اشتاق زعتر لحياته السابقة كحمار.
ليتني أعود حمارا في المزرعة، أحمل أشياء المزارع، وآكل حتى أشبع، وألقي بجسدي تحت أي شجرة، فأنام ملء عيني بأمان”
في إحدى الليالي، وأثناء تأمله في السماء لمح النجمة الساحرة، فقال لها والدموع في عينيه :
“أيتها النجمة الساحرة، أعيديني كما كنت، أرجوك.
ونام ليلته في العراء نوما متقطعا متوجسا من أي حيوان مفترس، حتى طلع الصباح، استيقظ وأخذ يتحسس جسده، ونظر حوله فإذا هو محاط بالمزروعات، وأمامه ساقية الماء، وعلى مقربة خراف ودجاجات، فصاح بفرح.
أنا في المزرعة، أنا في المزرعة، لقد عدت حمارا كما كنت
عاد زعتر إلى هيئته السابقة حمارا بفضل تلبية أمنيته، وفرح كثيرا بوجوده في المزرعة، جرى نحو العشب يأكله بشراهة.
وفي ليلة أخرى ظهرت تلك النجمة الساحرة لزعتر، وقالت له :
ماذا الآن أيها الحمار الصغير؟ هل تريد مني أن أحولك إلى شيء آخر؟ سمكة في البحر مثلا، أو نسر في قمم الجبال؟
أجابها زعتر بثقة :
لا… شكرا لك أيتها النجمة، أريد أن أبقى كما أنا، أصنع أحلامي وأحققها بنفسي؛ لأكون مميزا ناجحا في مزرعتي.