آداب وفنون

ارْتباك

نثر: ليال علي

اليوم، بكل الارتباك الذي سيطر عليّ قررت أن أمسك القلم… ألساني يتلعثم أم أن يدي ترجف وتُسقط القلم ؟ لا أدري ، كل ما أعيه هو أنني قررت أن أُسقط الكلمات غير مبالية بما ستَحُول إليه هذه الكلمات و على ماذا ستقع ، أريد فقط أتخلص من العبء الثقيل الذي لا أفهمه من هذه الحياة التي تُخيل لنا أنها عبثية من كثرة ما عُبِث فيها وفي حقيقة الإنسان الوجودية اللازمة لمحياه، قبل أن أمسك القلم كنت أنتقل من مشتتٍ إلى أخر و إلى أخر أشد جذبًا لتركيزي وتشتيتًا لارتباكي الذي أخشى أن أُجَابِهَه، و في كل مرة يزيد العبء ويَبعُد الفهم وكل هذا يكون بسبب “لا بأس إنها مجرد عرقلة لا توجد مشكلة فعلية حقًا” وبذلك أُسكت ارتباكي و أقمعه وأشدد النبذ عليه ! وإن تجرأ بالصراخ عليّ أطمس عيناي وأميت حواسي لكن الشعور لا يتوقف ، يمكث في العمق مقموع ، وكأن الشعور حقٌ تخلى عنه صاحبه وباعه!
أعتقد أنني وعيت متأخرًا أن فعل الإرباك و التشتيت لا يقتصران فقط على مؤثرات خارجية تجرنا خارج دواخلنا حيث تسكُن حقائقنا بل أحيانًا -أحيانًا كثيرة- تبني لنا أفكارنا الراسخة أقماعًا ضيقة خانقة للفكر؛ لتُمكِثنا بداخلها ربما لأنها أكثر أمانًا واستقرار للوعي الغير مكتمل للأمور الذي يرى أنه ليست هناك أي مدعاة للتفكير أو التفكر والتعقل و في أي مشكلة يواجهها صاحب ذلك الوعي في حياته يهرب إلى قمعٍ قريب يلتف بداخله حول نفسه ، و يدحر كل ما يمكن أن يزحزحه عن قمعه الآمن الحصين تحصنًا وربما تكاسلًا، لكيلا يشعر بالصداع أو الدوار أو الندم و اللوم أو حتى تأنيب الضمير و يمضي كما يمضي معظم الناس معتقدين أن الطريق الأسهل و الأصح هو الأكثر عبورًا فحتمًا سيكون الأفضل وإن كان نُتاجه فوضويٌ خاطئ . فالحقيقة لا تنبع دائمًا من الداخل بقدر تُختزل بما يحيطها وكما قال عبد الله البردوني” المرء لا تشقيه إلاّ نفسه …حاشا الحياة بأنّها تشقيه” وأنا أعتقد من منظوري الخاص أن الإنسان بقدر ما ستشقيه نفسه بقدر ما ستشقي الآخرين معه ولربما تجرُ بهم إلى أقماعهم المنغلقة البعيدة .
لا أحد يصدق الإنسان بقدر ما يصدق نفسه ، وحتى إن شككت بأمرٍ في نفسك فإنك لا محالة ستصدق ذلك التشكك عن نفسك! ولا يقتصر الأمر فيما تصدق عن نفسك فقط ! بل أيضًا فيما تصدقه عمن حولك وقد تصدق عنهم مالا يملكون في حقيقة أنفسهم ولك أن تتخيل مقدار المعاناة التي سيعانونها لإظهار حقائقهم ولكشط جلودهم لكشف ذواتهم لك -ذلك إن فعلوا طبعًا!- فضلًا عن معاناتك في تحمل إلحاحهم وهم يحاولون ذلك ! تذكر دومًا إذا ما حُبست في قمعٍ معتم أنه ربما ليس معتمًا بفعل عينيك بل بفعل نفسك.

زر الذهاب إلى الأعلى