آداب وفنون

أنا آسفة

خاطرة: نجوى عبدالله

أنا آسفة..
ثقيلة هذه الكلمة تكاد تنقرض ويكاد يفتقر إليها قاموس الكلمات الشخصي، ومن كثرة ما كانت كلمة الأسف ثقيلة أصبحت أرددها حتى في أتفه المواقف، وليس ذلك لفذاحة ما فعلت أو افتعلت بقدر ما أنه كلما في الأمر أنني أفتقدها!
بالعامية “والله إني فاقد لها كثير ونفسي أسمعها”.
أفتقدها بكل ما تحمله من معنى، كل ما في نفسي هو أن يعترف أحدهم عندما يخطئ، أنه أخطأ في حقي أو أحزنني، أو لربما كان قد كسر شيئًا بين أضلعي لكنه محاولًا أن يتدارك ما كان يقول: “أنا آسفــ/ــة”، لكن للاسف مقامهم لربما كان أكبر منها.
حقيقة لأول مرة أصرح بها: خلوها بالعامية أحسن وأنا آسفة للي يحبوها بالفصحى!
أن تقول آسف ما سمعتك، آسف أخذت قلمك بدون علمك، آسف استخدمت عطرك بدون إذنك، آسف تأخرت عن موعدنا، آسف انشغلت عنك لكني سأعوضك، آسف أكلت قبلك، آسف أزعجتك بصوتي العالي، آسف نسيت إيش كنت تقول، آسف نمت وما طمنتك، آسف نسيت ما أكلمك، آسف نسيت ما أذكِرك، آسف ما جبت لك معي، آسف كان لازم نروح سوى وماكلمتك، آسف لأني خبيت عنك كذا وكذا، آسف لأن كذبت عليك بالموضوع الفلاني، آسف لأن ضايقتك، آسف فهمتك غلط، آسف ما وضحت لك قصدي، آسف خليتك تقلق، آسف لأن قاطعت كلامك، آسف لأن عارضتك، آسف صوتي كان أعلى من صوتك، آسف ضيعت حاجتك الفلانية، آسف اكتسرت عليا، آسف تكلمت عليك، آسف ما عطيتك قدرك، آسف استعجلتك، آسف خوفتك، آسف لأني غيرت القناة الي كنت تتابعها، آسف لأن اذواقنا مختلفة ياليت لو كان ذوقي حلو مثل ذوقك، آسف بس هذا عجبني، آسف المرة الجاية بنتبه، آسف لأنني مافهمت كل شيء وما أعرف كل شيء، آسف لأنني مش الشخص الذي تتمناه بس علمني عشان أكونه، أسف لأنني ما أقدر احل مشكلك، أسف لأنني ما قدرت أني أكون جنبك وقت ما تحتجتني.
وأنا آسفة على هذا التصريح المفاجئ!
كم كلمة آسفــ/ــة بالموضوع لكنه ينتظر شيك الصرف!
في كل مرة يحتد الموقف، وتشتد المبالغة في ردة الفعل، يتجاوز الغضب حدوده وتتعاظم عزة النفس المزعومة وتكبر مسألة الاعتذار والأسف ويتم تجاهل أن الهدف الرئيسي منها هو أن تبين أساس الخلاف وتنهيه بكلمة، لكنك تختار أن تورثه أكبر مما يستحق وتنهي علاقة بسبب كلمة، الفرق واضح.
أبسط المواقف وأتفهها تحتاج لهذه الكلمة، فما بالك بأكبرها؟! فعندما تعجز أو تخطأ كلمة “آسف” بمثابة قارب نجاة، وإن كان الأمر متروكًا لي لأعتبرتها بمعنى “أنا أختارك أنت على الخلاف الذي بيننا” أو “أنت بالكفتين والموضوع ليس له كفة من الأساس” أو بالعامية “والله ما هان عليا زعلك كيف شسخي بك؟!”
هل استلطفت الشعور بها تستطيع أن تشعر بها كيفما شئت، لكن تذكر أن الاعتذار لا يعني أنك على خطأ فأحيانًا نعتذر ونأسف حتى لا نقع فريسة في مصيدة الشيطان، وحتى لا نقع ضحية لسوء فهم أو لدمار علاقة.
لربما يظن البعض أن كلمة”آسف” تقلل من قيمة الشخص ومقامه لكني أود أن أنوه إلى أمر مهم هو أن من يعتذر بهذه الكلمة لا يقلل من قيمته بل هو يحافظ على قيمتك يا عديم الأسف.

زر الذهاب إلى الأعلى