آداب وفنون

المتسولون

قصة: عبدالله محمد العمودي

كعادته كل يوم، ألقى التحية على الجميع ثم اتجه نحو بائع الخضار. هناك، لمح بعض المتسولين في الشارع، لكن لم يلتفت إليهم. في اليوم التالي، كرر نفس الروتين، وعندما اقترب من البائع، جاءه متسول آخر وقال بصوتٍ خافت:
“هل لديك نقود؟”
لم يلتفت إليه، وكأن الصوت لم يصل إلى مسامعه. المتسول لم يستسلم، فأعاد السؤال:
“أعطني شيئًا، لو سمحت.”
ومع ذلك، تجاهله مرة أخرى، لم يكن يود أن يجيبه ولو بنصف كلمة.

في اليوم الثالث، كان هناك أكثر من متسول في الشارع. اقترب منه أحدهم، كان يرتدي ملابس رثة وهيئته غريبة، وعيناه تحملان ثقل العالم:
“هل لديك نقود؟”
تردد هذه المرة، يده كانت تتحسس جيبه، وكاد أن يعطيه شيئًا، لكنه أدرك أن النقود معه بالكاد تكفي لشراء الخضار. شعر بالحرج، فاختار أن يلتزم الصمت، تمامًا كما اعتاد أن يفعل دائمًا.

مع مرور الأيام، أصبحت مواجهاته مع المتسولين أكثر تكرارًا، وكانت تلك المشاعر القديمة تتصاعد داخله. في يومٍ آخر، كان ذاهبًا لزيارة أخيه، وعند مفترق الطريق اقترب منه متسول آخر، هذه المرة كان الإلحاح في صوته واضحًا:
“هل لديك بعض النقود؟”
رد عليه بنبرة ممتلئة بالغضب غير المبرر:
“ماذا تريد مني؟ اذهب إلى شخص آخر!”
المتسول نظر إليه بدهشة، ثم غادر.

كان يكره المتسولين أينما وجدهم. كانوا يثيرون فيه شعورًا لا يقدر على تفسيره، خليطًا من الضيق والاضطراب. كانت مواقع التواصل الاجتماعي مكانه المفضل لانتقادهم علنًا، واعتاد أن يتحدث عنهم بسخرية، متجاهلًا قصصهم ومعاناتهم.

في كل مرة يرى متسولًا، كان يتحول إلى شخص آخر. يتغير لونه، ويشعر بضغط يزداد على صدره. لم يكن يعرف لماذا يشعر بالضيق، لكنه كان يعرف شيئًا واحدًا: لم يكن يشعر بالراحة في حضورهم.

ثم جاء اليوم الذي لم يكن فيه البائع موجودًا. في طريقه للعودة إلى المنزل، جلس على كرسي خشبي مهترئ أمام إحدى الأزقة، يراقب الناس. فجأة، مر متسول أمامه، وكان يرتدي نفس الملابس الرثة، لكنه لم يسأله هذه المرة. فقط نظر إليه للحظة قصيرة، ثم تابع سيره.

شعر بشيء غريب، لم يكن الغضب هذه المرة. ربما كان ضيقًا، لكن ضيقًا من نوع آخر. نظر حوله، ولاحظ كيف كان الشارع مليئًا بأولئك الذين كان يتجنبهم طوال حياته. كان يسمع أصواتهم، يشعر بوجودهم في كل زاوية. فجأة، أدرك أنه لم يكن يهرب منهم، بل كان يهرب من شيء بداخله، شيء ظل يخاف من مواجهته.

كان يبحث عن راحة لم يجدها، وعندما أدرك أن المتسولين لم يكونوا مصدر مشكلته، بدأ يتساءل: هل كان هو المتسول الحقيقي؟ المتسول الذي يبحث عن السلام والهدوء في قلبه، ولا يجده.

زر الذهاب إلى الأعلى