عُمر والقرآن الكريم
قصة قصيرة: ريم درويش
كان يوماً من أيام الربيع، حيث الشمس تشرق بأشعتها الذهبية، والنسيم يهب علينا بأريجه العطر، خرج الصغير “ياسين” يلعب في فناء المنزل، يطارد الفراشات بألوانها الزاهية، ويقفز فوق العشب الأخضر، يملؤه شعورٌ بالسعادة.
لمحتهُ أمه “أم سلمى” من نافذة المنزل، فابتسمتْ ابتسامة حانية، ونادته بصوتٍ رقيق : “يا ياسين يا حبيبي، تعال إليّ يا بُني”.
ترك ياسين لعبهُ مسرعًا، وركض نحو أمهِ داخل المنزل وحضنتهُ بحنان، وقالت له: “يا ياسين، هل تعلم من خلق هذا الكون الفسيح؟ من أوجدَ الشمس والقمر والنجوم؟ من زرع هذه الأشجار والأزهار الجميلة؟”.
نظر ياسين إلى أمهِ بعينين بريئتين، وقال: “لا أعلمُ يا أمي”.
ابتسمت أمّ سلمى، وقالت: “يا بُنيّ، سيكون درسنا اليوم عن معرفة الخالق وماذا خلق، تعال لنجلس على الأريكة.
وقالت : إن خالق كل هذا الجمال هو الله سبحانه وتعالى، خالقُ السماواتِ والأرض، هو الذي خلقنا وأعطانا الحياة.
استمع ياسين إلى كلام أمهِ باهتمام، وسألها: “ولكن يا أمي، أين الله؟ أنا لا أراهُ!”.
ضحكت أم سلمى بلطف، وقالت: “يا ياسين، اللهُ موجودٌ في كل مكان، لكنّنا لا نراهُ بأعيننا، فهو خالق غيب لا نستطيع رؤيته، لكنهُ يرانا ويشعر بنا، ويعلمُ كل ما نفعله ونقوله.
فقال ياسين : وهل يسمعنا الآن.
أجابته أمهُ : نعم، وهو سعيد لأنك تدرس وتتعرف عن الخالق.
ثمّ قالتْ : يا ياسين، هل تعلم ما هو القرآن الكريم؟
هز ياسين رأسه، وقال : “لا أعلم يا أمي، ولكن اسمعه في المساجد واسمعك حينما تقرأين.
قالت أم سلمى: “القرآن الكريم يا ياسين هو كتابُ اللهِ المقدس، أنزلهُ على نبيهِ محمد صلى الله عليه وسلم، وهو كلام الله تعالى، وفيه كل ما يهدينا إلى طريق الخير والصواب”.
أمسكت أم سلمى بيد ابنها، وذهبت به إلى غرفتها، وأخرجت من رفّ الكتبِ مصحفًا جميلاً، وفتحتهُ على صفحةٍ فيها آياتٌ من القرآنِ الكريم، وبدأت تقرأُ بصوتٍ عذب، بينما كان ياسين يستمعُ إليها باهتمامٍ شديد.
أحس ياسين بِهدوء كبير يملأُ قلبهُ، وأحس بالسعادة لأنه يتعلم عن الله وعن كتابهِ الكريم.
وبعد أن انتهتْ أم سلمى من القراءة، سألت ابنها: هل أعجبك ما سمعتهُ من القرآن الكريم؟
أجاب ياسين: نعم يا أمي، لقد أعجبني كثيراً، أريد أن أتعلم قراءة القرآنِ الكريم.
ابتسمت أم سلمى، وقالت: بعون الله يا بُنيّ، سأساعدُكَ على تعلّمِهِ، وسأكون لك خير معلمة.
فمنذ ذلك اليوم، أصبح ياسين يمضي وقتَهُ في تعلم القرآن الكريم، وحفظهِ، وتلاوتهِ، يوماً بعد يوم نما إيمانهُ بالله سبحانه وتعالى.
ها يا عمر.. هل تريد أن تصبح مثل ياسين وتحفظ القرآن الكريم.
أجاب عمر : نعم يا أمي، من اليوم سأُقلل من اللعب، وأحفظ القرآن.
وهكذا أستدركت أم عمر ابنها ليقرأ كتاب الله ويتقرب منه، بعدما كان يتعبها في حفظه والالتزام به، فهي لم توبخه أو عاقبته، بل جذبته إليها في حكايتها له وضرب المثل للطفل ياسين الذي كان قدوة للطفل عمر.
وأدرك عمر أن اللعب شيءٌ جميل، لكنه ليس كل شيءٍ في الحياة، وأن هناك أشياء أهم وأسمى، مثل تعلم الدين والقرآن الكريم.