وصفت بـ«الهند الصغرى» لازدهارها الاقتصادي.. القيمرية.. أعرق أحياء دمشق القديمة
كريترنيوز/ متابعات /هيسم جودية/دمشق
في القيمرية بين الجامع الأموي الكبير، وباب توما بدمشق القديمة، يتنفس الإنسان عبق التاريخ، معالم أثرية تحكي عظمة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، ومهن إبداعية ثقافية استوطنت تلك المنطقة، لتكون شاهداً على إبداع قاطنيها، حتى أطلق عليها لقب الهند الصغرى. ويعتبر الطريق الرئيسي المرصوف بالأحجار السوداء في هذه المنطقة واحداً من أكثر الطرق ازدحاماً في دمشق، ويشكل وجهة للسياح، إذ تنتشر على جوانبه متاجر ومطاعم ومقاهٍ تمازج بين العراقة والحداثة.
تقول الباحثة التاريخية إلهام محفوض لـ«البيان»: إن «حي القيمرية أحد الأحياء التي تنبض بروح الحياة والمسجل في لائحة التراث الثقافي العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو هذا الحي جزءاً من دمشق القديمة داخل السور في اللائحة 1979».
وأضافت أن «الحي يمتد شرقاً من الجامع الأموي باب جيرون، فيبدأ من حي النوفر حتى يصل إلى باب توما، ويجده من الشمال منطقة العمارة، ومن الجنوب الشارع المستقيم».
وتابعت: «سمي الحي بالقيمرية نسبة لناصر الدين أبو المعالي حسين القيمري، أحد قادة الملك الناصر يوسف الأيوبي الثاني المتوفى سنة 663هـ/ 1265م، الذي أنشأ مدرستها».
نشاط اقتصادي ويتميز حي القيمرية بنشاطه الاقتصادي منذ مئات السنين، إذ تقول محفوض إنه «كان يطلق عليه اسم الهند الصغرى، وذلك لانتشار صناعة القماش فيه، حيث شكل تجمعاً تجارياً وسكنياً، وأطلق عليه سوق المطرزين لمهنة انتشرت بالحي كما أنه عرف بسوق الحريمين، وذلك لوجود متطلبات النساء، فيه».
وأوضحت أن «أبناء القيمرية عملوا بعدة مهن، أشهرها تجارة الحرير، ولا يزال خان الحرير بزقاق الشهبندر شاهداً على ذلك، كما عملوا بالنسيج والحياكة وصناعة الصابون ومهنة تطعيم الخشب بالصدف والعطارة والطباعة، ولعل مطبعة الترقي التي تعتبر أقدم مطابع دمشق الماثلة للعيان ليومنا هذا أهم مثال على اهتمام أبناء دمشق بنشر العلوم والمعارف».
جوامع ومدارس وكنائس
تعتبر القيمرية مرآة مصغرة لدمشق، فهي نموذج رائع اجتماعي لثقافات من كل الأجناس والأديان، من خلال جوامعها وكنائسها ومدارسها.
وتقول محفوض: إن «حي القيمرية كان يزخر- ولا يزال – بالجوامع والمدارس والزوايا»، لافتة إلى أنه «من أهم الجوامع جامع النوفرة وجامع البكري، جامع الفتحي، جامع السفرجلاني، والزواية السعدية». وأضافت أن «الحي يتضمن عدداً من الكنائس التي تتناغم أصوات أجراسها مع ارتفاع أذان الجوامع القريبة منها، الكنيسة المريمية (وهي من أقدم كنائس العالم، ومقر للكرسي الرسولي للروم الأرثوذكس)، وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي، والكنيسة الإنجيلية الوطنية وغيرها».
وتابعت: إن «الحي أيضاً يتضمن العديد من المدارس، إذ يعتبر مكتب عنبر من أهمها، والذي أصبح قصراً للثقافة، وهو من أهم المشيدات المعمارية، التي تعتبر آية في الفن والجمال المعماري، إضافة إلى المدرسة الرواحية والمسمارية وغيرها».
ولفتت الباحثة التاريخية إلى أن «الحي اشتهر بالحمامات العامة، التي تدل على اهتمام السكان بالناحيتين الصحية والاجتماعي، كانت تتزود بالماء من نهر بانياس أحد فروع نهر بردى»، مشيرة إلى أن تلك الحمامات تتضمن حمام القيمرية، حمام البكري، حمام الجورة، حمام سامي، وحمام النوفرة».
جمال
وأردفت محفوض «يجب إلا ننسى الدور الدمشقية والتي تعد ثروة مهمة لما تحتويه من عناصر معمارية وفنية، نشأت وتطورت على مدى آلاف السنين رغم بساطتها من الخارج، إلا أنها بالغة الجمال من الداخل جراء هندستها وما تحتويه من جمال معماري يتناغم مع الطبيعة».
وتابعت، «من أشهر بيوتها قصر الشهبندر الذي كان يسكنه الزعيم الوطني السوري عبد الرحمن الشهبندر، وهو الآن فندق فاخر، ويحمل نفس الاسم حاله كحال معظم البيوت التي تحولت إلى فنادق أو مطاعم تجذب المغتربين وأهل البلد للجلوس والاستمتاع بعبق الأصالة».
يشار إلى أن العديد من الشخصيات المشهورة في سوريا تنحدر من حي القيمرية، منهم الزعيم الوطني عبدالرحمن الشهبندر، المؤرخ محمد كرد علي، رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني، رئيس الحكومة بشير العظمة، المفكر قسطنطين زريق، والباحث الموسيقي ميشيل الله وردي أول مرشح سوري لجائزة نوبل عام 1951، وغيرهم.