آداب وفنون

الشعور

خاطرة: عمر محمد العمودي

ربما لو كنت أستطيع التعبير عما أريد وأشعر به في اللحظة ذاتها، لو كانت ملامحي ولغة جسدي تعبران عن الحسرة والدهشة والرفض والقبول كما أفكر وأرى، أو لو كنت أستطيع التظاهر على الأقل، لما اضطررت أبدًا إلى تجربة وسيلة أخرى قد تكون أقل مصداقية وأخف نبرة.
كان من الممكن أن أقول كل ما يخطر على بالي عند أي حدث دون مساءلة، أن أعبّر عن إعجابي وجنوني بمدى الجمال الذي أراه والشعور الذي يسري في عروقي عند رؤية ما أحب. كان من الممكن إطلاق أسئلتي على الآخرين وإشهار رؤاي الناقصة دون قلق، كان من الممكن أيضًا ألا أذهب بعيدًا وأتعمق بالتفتيش في آرائي ومكنوناتي إلى ما يجعل نقاط الضعف فيها أكثر بروزًا، كان من الممكن ألا أفكر بالإخفاق، أن أثق بأن الكلمات ليست أبعد من كونها كلمات وأنها ليست سهامًا أو رصاصات لا يمكن التراجع عنها…
كان من الممكن القول، كان من الممكن الركض، كان من الممكن الفرار والاندفاع، كان من الممكن الاحتدام والمواجهة والغرق والتذمّر، وتجربة الغباء.
أُفكّرُ بأنه ليس صعبًا على الإطلاق التعبير عن الرغبة بالرغبة، واللهف باللهف، ومواجهة الأغصان بطراوتها في اللحظة ذاتها بالتمايل معها وتشذيبها، بدلًا من الوقوف بعيدًا عن الملموس.
أُفكّرُ بأن التأمّل قد يكون مجديًا، وأن الإصغاء مفيد، والنظر الطويل مثمر، لكن الحصاد هي تلك الأفكار والأسئلة والكلمات والذهول السائل الذي كان يجب تركه لا كبحه، لكن السيطرة على ما يريد الطيران مني حينها ليست إلا محض حبس للذات والذاكرة.
أعرف أنه من الأجدر ترك الأعين تلتقي وألا أخبئها، ترك المصائر تتصادم، مراقبة القلوب وهي تلتحم، تجربة الحبّ والغناء والعزف، الشعور بمتعة الجسد، الإحساس بلذة الروح، الانهماك في صياغة العواطف، والغرق حتى الموت في النشوة.. أعرفُ ولا أعرف. أعرفُ ولا أفعل..
ربما الصراخ أقصر الطرق إلى التشافي، وربما الاستغاثة قد تنتشلني من الهوّة، والتلويح يختصر الأيام للوصول إلى الغايات…
لو كنت أصرخ، لو كنت ألوّح، لو كنت أهتف، لو كنت أبدو في غاية الدهشة، في غاية البكاء.. لو كنت أصرّ، لو كنت أرفض، لو كنت أجزم، لو كنت لا أتخلّى أبدًا عن القرار.. لربما كنت أنا الآن، أنا اللحظة.
لكنها الكتابة، عجزي ودهشتي، وسيلتي الثانوية للحياة، ردّات فعلي المتأخرة، وأناي المؤجلة.

زر الذهاب إلى الأعلى