آداب وفنون

الأحاديث التي لا تنتهي

قصة: عبدالله محمد العمودي

لم يكن الأب يجد الراحة في الجلوس مع ابنه محسن دون أن يشعر بالضجر. كل مرة يبدأ محسن بالحديث، تتحول الجلسة إلى رواية طويلة مليئة بالتفاصيل التي لا تنتهي.

قال الأب ذات مرة بحزم: يا بني، أحاديثك طويلة جدا، تجعلني أشعر بالتعب والملل. حاول أن تختصر.
ابتسم محسن وأجاب: لكن يا أبي، أنا أحب التفاصيل. إنها تجعلني أشعر أنني أعبّر عن كل شيء بدقة.

على مدى أشهر، حاول الأب أن يشرح لابنه أهمية الاختصار. كان يقول له: يا بني، الحديث الطويل يُفقد المستمع تركيزه. إذا أردت أن يستمع لك الآخرون، عليك أن تكون موجزا.
لكن محسن كان يجيب دائماً: لا أستطيع يا أبي، هذا جزء من شخصيتي.

في إحدى المرات، جلس الأب بعد يوم شاق ليستمع لابنه الذي بدأ بسرد قصة عن يومه في العمل. كانت القصة مليئة بتفاصيل دقيقة عن كل شيء: من لون الأوراق على مكتبه إلى المحادثات الصغيرة مع زملائه. شعر الأب بالإرهاق وأوقفه قائلاً: “يا بني، أرجوك. اختصر. أخشى أن يفقد حديثك معناه بسبب طوله.”

لكن محسن لم يتغير. استمر في أحاديثه المطولة، حتى بات الأب يتجنب الجلوس معه. كان يشعر بالإحراج حين لا يستطيع إخفاء تذمره أو رغبته في إنهاء الحديث.

ذات يوم، واجه الأب ابنه بصراحة: يا محسن، أحاديثك تجعلني أبتعد عنك أحياناً. لست وحدي، ربما يشعر الآخرون بالمثل. حاول أن تغيّر من نفسك، ليس لأجلي فقط، بل من أجل من حولك.

تأمل محسن في كلام أبيه طويلاً. لم يكن يريد أن يكون سبباً في نفور الآخرين، لكنه أيضاً لم يكن يعرف كيف يغيّر هذه العادة التي أصبحت جزءاً من شخصيته.

وهكذا، بقي محسن يتحدث بطريقته، وبقي الأب يستمع بصبر. ربما لم تتغير الأمور كثيراً، لكنهما تعلّما مع الوقت كيف يتقبل كل منهما الآخر، رغم اختلاف الطباع.

زر الذهاب إلى الأعلى