سنقف معا أنا وأنت

خاطرة: أفنان عبد الرحمن
في يومٍ لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان، سنقف معا أنا وأنت وكل الأشخاص الذين ألتقينا بهم في الزقاق أو جمعتنا صالات الانتظار ، في المطار أو في المستشفيات، لننتظر جميعا هذه المرة ونعرف مصيرنا الأبدي ..
في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان سنحصل جميعا على ذاكرة حديدية تتفوق على أي نوع من النسيان أو حتى السهو الطفيف، سنتعرف على جميع الغرباء في المكان قبل الأصدقاء، لن نعلم أسماءهم بطبيعة الحال لكننا سنتذكر أماكن اللقاء .. في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان سنحاول أن نتواصل معهم لنشعر بالألفة قليلا لكننا لن نستطيع ذلك، فالصمت المريب والخوف الذي يفوح من أجسادنا سيحجمنا عن أية محاولة، سيصل بنا الحال إلى أن نتمنى سماع صوت نحنحة أو حتى عطس مفاجئ يشعرنا بأننا لازلنا على قيد الحياة وبأن كل شيء يستطيع أن يكون على ما يرام .. لكننا أيضا لن نحظى بذلك حتى..
في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان، لن نتساءل في أي قارة تقبع فيها أقدامنا ولا في أي بلد تسبح بها ظلالنا، فالكل يعرف في قرارة نفسه أين نحن ولماذا نحن هنا .. في يومٍ لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان، سنرى أمامنا صرح كبير مصنوع من الحق الخالص ومعجون بالعدالة السماوية، التي لا يمكن لأيدي قذرة أو وريقات خضراء بأن تلوثها ، لا تخضع لقوى المصالح ولا قواعد الشطرنج .. فقط المظلومون من ستكون لهم اليد العليا .. لن نستطيع معرفة حجمه بدقة لكننا نستطيع مقاربتها بسعة السماء، أليس ذلك منطقيا أصلا؟! أن يكون مسرح الانتصار الأخير موازيا لملجأ الضعفاء منذ أن خُلِقوا ؟! …
في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان، ستُشخص الأبصار إلى أبطال الحكاية، ستُحبَس الانفاس المكبوتة أصلا ببهاءهم الآسر، ليس بالرغم من تلك الدماء التي لا تزال تسيل على وجوههم وأعناقهم، بل بسببها، في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان، سنود لو أننا كنا مثلهم، سنتمنى لو أن أطرافنا فُقدت تحت ظلمٍ ما أو حتى نتيجة دفعه عن الأنام، سنود لو أن باطن أشلاءنا كان اوضح من جلودنا، ستتبدل معايير السعادة والجمال حينها، سنتحسس على أجسادنا الملساء الناعمة بندمٍ خفي .. أو ربما سيكون جليا أكثر عندما نتذكر أنها كذلك بسبب منتجات تزييف ظالمة كان الأجدر بنا أن نقاطعها وربما نستغني عنها قبل هذا اليوم الذي لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان .. فجأة سنسمع صوت نغمة مألوفة قد تبدو غير ملائمة للمشهد في بدايتها، لكننا فور سماعنا لصوت حنظلة الذي لم يكبر أبدا سنفهم سبب صدوح ألحانها .. هناك نراه يقبع هو وأطياف الأطفال خلفه وهم ينتظرون محاكمة من سرق منهم أعمارهم، ” جئت أقول ما لكم أمام الله من عذر” بالرغم من رقة الحناجر التي تغنت بتلك الكلمات المسموعة إلا أن وقعها علينا جميعا لن يكون كذلك، سنجثو معا في لحظة سرمدية لا نعلم نهايتها طالبين العفو والمغفرة، سنحاول أن نتذكر كل تلك الأعذار التي ظللنا نرددها في عقولنا ونفقس بها عزيمتنا لفعل أي شيء، لكننا سنفشل، ستتسلل من بيننا وربما ستُختم بها أفواهنا لتصبح حجة علينا ، لازالت الكلمات تتوالى، ولن يدندن بها أحد سوى أولئك الأبطال، أربعة شباب متقاربين في القلوب والأعمار يقفون أمامنا هاتفين ” هيا لنأخذ صوورة صورة ، صورة جماعية مقهوورة صوورة” وهم يضحكون بهيستيريا، نعم ليسوا هم المقهورين فقد أتى دورنا نحن، رغم أننا لم نرى وجوههم ولم نسمع أصواتهم الا أننا عرفناهم .. لماذا هم متعانقين ولماذا هم أربعة .. في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان سيخجل من يتعرف على الكلمات الآتية ، سيحاول قمع عقله من ترجمتها ، سيتمنى سلخ تلك اللغة الملعونة من تلافيف خلاياه الرمادية ، سيتظاهر بعدم الفهم، لكنه سيُفضح حتما عندما يرى نفسه محشورا يين أولئك النازيين الذين ادعى دوما ظلمهم له، وها هم الآن في كفة واحدة يتنفسون الفكرة ذاتها وعلى أيديهم البارود نفسه … في يوم لا تؤخره ساعة ولا يضيعه مكان، ستشارف الألحان على الإنتهاء وسنترقب معا الحساب العسير .. بين متلهفٍ وآخر يلتهم رأسه ندما، أتساءل حقا في أي موقع سنكون نحن؟.