آداب وفنون

“فرانكنشتاين” بعد 200 عام.. لم يكن وحشاً بل ضحية!

كريترنيوز /رشا عبد المنعم

في الوقت الذي يستعد فيه المخرج المبدع غييرمو ديل تورو لإطلاق فيلمه الجديد المستوحى من رائعة ماري شيلي، ببطولة النجمين أوسكار آيزاك و جيكوب إيلوردي، يعود السؤال ليطاردنا بعد أكثر من قرنين من الزمان، لماذا تظل الرسالة العميقة لرواية ماري شيلي التي صدرت عام 1818 مُهملة، رغم النجاح الأسطوري لشخصيتيها في الثقافة الشعبية؟

“إنه حي!.. هذه الصرخة الأيقونية من فيلم “فرانكنشتاين” (إخراج: جيمس ويل، 1931) هي كل ما علق في الذاكرة الجمعية، إنها أول رواية خيال علمي، وأسطورة قوطية مرعبة، ورمزاً للآباء المُتخلين، ودرساً قاسياً في عواقب التقدم العلمي؛ لكن كيف يمكن لعمل بمثل هذه الأبعاد العميقة أن يُنسى صوته ورسالته وسط الضجيج الهائل لنجاحه الوحشي؟

في ليلة واحدة من صيف أوروبا عام 1816 الذي كان بارداً ورطباً على نحو غريب، تجمعت مجموعة من الأصدقاء في “فيلا ديوداتي” على شاطئ بحيرة جنيف، أعلن اللورد بايرون: “سيكتب كل منا قصة أشباح”، كانت ضمن الحضور ماري وولستونكرافت غودوين (ماري شيلي لاحقاً) البالغة من العمر 18 عاماً، كتبت لاحقاً: “انشغلت بابتكار قصة، ” قصة تتحدث عن مخاوف طبيعتنا الغامضة وتوقظ الرعب المثير”.

وتحولت قصتها إلى رواية نُشرت بعد عامين بعنوان “فرانكنشتاين، أو بروميثيوس الحديث، و تحكي الرواية قصة فيكتور فرانكنشتاين، طالب الفلسفة الطبيعية الشاب، الذي يحرق طموحه المجنون جسداً بالحياة، لكنه يرفض “مخلوقه” المرعب بسبب الخوف والاشمئزاز.

إن “فرانكنشتاين” هي في آن واحد أول رواية خيال علمي، ورعب قوطي، ورومانسية تراجيدية، وحكاية رمزية، كلها مخيطة في جسد واحد عملاق.

تظل مآسيها المركزية ، مخاطر تجاوز الحدود الإلهية، من جهة، والتخلي الأبوي والرفض المجتمعي من جهة أخرى، ذات صلة اليوم كما كانت دائما،وهناك شخصيتان رئيسيتان طرحتهما ماري شيلي، “المخلوق” و “العالم المجنون” المفرط الطموح، واللذان تحولا إلى رمزين خالدين، ليسا فقط في عالم الرعب، بل في تاريخ السينما بأكمله.

أنجبت رواية “فرانكنشتاين” تفسيرات ومحاكاة ساخرة امتدت من الأصول الأولى للصور المتحركة في فيلم قصير لـ توماس إديسون عام 1910، مروراً بأفلام “يونيفرسال بيكتشرز” و “هامر” البريطانية، وحتى فيلم “ذا روكي هورور بيكتشر شو”.

كما أنها مهدت الطريق لأعمال أخرى مثل “ملحمة 2001: أوديسة الفضاء”، هناك نسخ إيطالية ويابانية، وفيلم “بلاكِنشتاين”، كما قدم كل من ميل بروكس، و كينيث براناه، و تيم بيرتون رؤيتهم الخاصة،والآن، يحقق مخرج الخيال العلمي والرعب غييرمو ديل تورو أخيراً حلم طفولته بإحضار “فرانكنشتاين” إلى الشاشة، في مشروع استمر لأكثر من 30 عاماً.

استُخدمت الرواية كحكاية رمزية في العديد من الحجج، سواء كانت مؤيدة أو معارضة للرق والثورة، أو تشريح الأحياء، أو الاستعمار، وحواراً بين التاريخ والتقدم، والدين والإلحاد، وازدهر مصطلح “فرانكن” كبادئة في المعجم الحديث، ليصبح مرادفاً لأي قلق يتعلق بالعلوم، والعلماء، والجسد البشري.

لقد استُخدم لتجسيد المخاوف بشأن القنبلة الذرية، والمحاصيل المعدلة وراثياً، وأبحاث الخلايا الجذعية، والقلق بشأن الذكاء الاصطناعي وتهدئته. باختصار، أصبحت حكاية ماري شيلي، بعد أكثر من قرنين، أسطورة ثقافية حقيقية “اكتسحت المقابر” و “انتشرت في ومضة”، على حد تعبير أغنية “مونستر ماش” لعام 1962.

“كل أولئك العلماء، كلهم متشابهون، يقولون إنهم يعملون من أجلنا ولكن ما يريدونه حقاً هو حكم العالم!” مققطفات من فيلم “فرانكنشتاين الصغير” (إخراج: ميل بروكس، 1974)، لكن لماذا كان تصوّر ماري شيلي لـ “العلم الذي سار خطأً” مؤثراً للغاية في ذلك الوقت؟ لقد جسدت بلا شك روح العصر، كان أوائل القرن التاسع عشر يترنح على حافة العصر الحديث، وعلى الرغم من وجود مصطلح “علم”، لم يكن مفهوم “العالم” موجوداً.

تقول فيونا سامبسون، مؤلفة كتاب “بحثاً عن ماري شيلي”: “مع الحداثة يأتي شعور بالقلق حول ما يمكن للبشر فعله، وخاصة قلق بشأن العلم والتكنولوجيا،. دمجت رواية “فرانكنشتاين” هذه المخاوف المعاصرة حول إمكانيات العلم مع الخيال لأول مرة، وكانت النتائج مُكهربة.

تيارات فكرية
ظهرت في الرواية عدة نقاط من الخطاب الفكري الشعبي في القرن التاسع عشر. تكشف كتابات ماري شيلي أنهم ناقشوا “مبدأ الحياة” في لقاء “فيلا ديوداتي” عام 1816، وكانت النقاشات تحتدم حول طبيعة الإنسانية وما إذا كان “ممكناً إحياء الموتى”.

وفي مقدمة الكتاب لعام 1831، أشارت شيلي إلى تأثير “الغلڤانية”، في إشارة إلى تجارب لويجي غالڤاني التي استخدمت التيارات الكهربائية لتحريك أطراف الضفادع، وقد ذهب ابن أخ غالڤاني، جيوڤاني ألديني، أبعد من ذلك عام 1803 باستخدام جثة قاتل حديث الوفاة كموضوع لتجاربه.

وكان العديد من الأطباء والمفكرين في صلب هذه النقاشات، مثل الكيميائي السير همفري ديڤي، على صلة بوالد ماري شيلي، المفكر البارز ويليام غودوين، الذي وضع مبادئ تحذر من مخاطر “التجاوز الأخلاقي”.

زر الذهاب إلى الأعلى