آداب وفنون

رعشة الخوف!

خاطرة/ ريم درويش

قالت لإحدى صديقاتها بصوتٍ خافت يتهدج بين أنينٍ وصمت:
كانوا يقولون لي كلما لمحوا في ملامحي انكسارًا:
“لا تحزني، نحن نشعر بك.”

فأبتسم ابتسامةً باردة، تخفي خلف دفئها سخرية الوجع، وأتساءل في داخلي:
كيف لإنسان أن يشعر بوجع لم يعشه؟!

إن المشاعر ليست لغة تترجم، هي تجربة تعاش، فلم يشعروا بي يوم عدتُ من المدرسة طفلةً صغيرة، أبحث عن ذراعٍ ألوذ بها بعد أن قالوا لي إن أمي غادرت الحياة، كنتُ في العاشرة والكون فجأة بلا ملامح، كل الأذرع غريبة وكل العيون باردة. لم يُفجعوا بأم كانت العالم بأسره، ثم استيقظوا ذات صباحٍ على غيابها.

ولم يشعروا بي حين وقفتُ أمام معلمتي في الثانوية، أحمل شهادةً باهتة تشبه قلبي، فصرخت في وجهي كلمات نُحتت على جدران روحي:
“لقد خذلتِ نفسكِ!”.

لم تكن تعلم أني كنتُ أحاول أن أعيش فحسب، أن الدراسة كانت آخر همومي بعد أن دفنتُ طفولتي مع أمي ومع ذلك، التفّ الجميع حولي بعبارتهم ذاتها:
“لا تحزني، نحن نشعر بك”.
يا لسطحية هذا التعاطف! ما أشد خِفة الكلمات حين تُقال بلا تجربة.
وحين ضاعت حقيبتي الصغيرة، التي حملت أسراري وأحلامي الطفولية، بكيتُ يومها بحرقة، فقالت صديقتي ضاحكة:
“إنها مجرد حقيبة!” ولم تشعر بي..
ولو كانت حقيبتها هي التي ضاعت، لما قالت إنها “مجرد” شيء.
نحن لا ندرك قيمة الأشياء إلا حين تنتزع منا.

وخالتي أيضًا قالت ذات الكذبة حين توسلتُ إليها ألا تتركني وحدي في المنزل:
“أشعر بكِ، لكن كوني قوية.”
ثم مضت.
فكيف تشعر بي وهي تغفو بين أطفالها وزوجها،وأنا أحارب وحدي وحشة الجدران وصمت المكان؟ كيف لمن يعيش دفءَ الأمان أن يفهم رعشة الخوف؟

لقد أدركتُ أخيرًا أن الجملة التي يرددونها دائمًا:
“نحن نشعر بك”
هي أكثر العبارات زيفًا في اللغة
لا أحد يشعر بأحد
نحن نتعاطف، نعم، لكننا لا نحيا الوجع ذاته
فالشعور الحقيقي لا يُستعار،
ولا يُروى،
وانما يُكتوى به.

ومن لم يعش ألمك، سيبقى غريبًا عنك مهما اقترب
فقط من جثا على ركبتيه في العتمة ذاتها،
من تذوق المرارة نفسها،
هو وحده من يملك الحق أن يقول:
“أنا أشعر بك”.

زر الذهاب إلى الأعلى