كابوس النظافة.. متى يتحول الترتيب إلى «وسواس قهري» مدمر؟

كريترنيوز /متابعات /عماد الدين إبراهيم
النظافة هي جزء أساسي من حياتنا اليومية، ومطلب فطري لتحقيق الراحة والصحة. لكن عندما تتجاوز الرغبة في الترتيب مجرد العادة الحميدة وتتحول إلى حاجة ماسة وقهرية لا يمكن مقاومتها، فإنها تدخل عالماً نفسياً شائكاً يعرف باسم «هوس التنظيف». هذا الهوس ليس مجرد إفراط في الدقة، بل هو عرض بارز لأحد أنواع اضطراب الوسواس القهري (OCD) الأكثر شيوعاً.
ما هو هوس التنظيف؟
هوس التنظيف هو حالة مزعجة ومرهقة يتحول فيها التنظيف المستمر إلى قيد يومي يؤثر سلباً على مختلف جوانب الحياة، من العمل والعلاقات إلى الصحة الجسدية.
يتمحور هذا الاضطراب حول عنصرين أساسيين هما الوساوس (Obsessions)، وهي أفكار أو مخاوف أو دوافع اقتحامية غير مرغوب فيها ومستمرة تسبب ضيقاً وقلقاً شديداً. في حالة هوس التنظيف، ترتبط هذه الوساوس بالخوف المفرط من التلوث أو الجراثيم أو السموم الكيميائية. يخشى المصابون بشدة من أن لمس مقابض الأبواب، أو المصافحة، أو حتى الملوثات البيئية العادية يمكن أن يسبب لهم أو لأحبائهم العدوى بأمراض خطيرة كالإنفلونزا أو السرطان. ثم الأفعال القهرية (Compulsions)، وهي سلوكيات متكررة ومتعمدة تنفذ كطقوس في محاولة لتخفيف القلق الناتج عن الوساوس.
وتشمل هذه الأفعال الغسيل المفرط كغسل الأيدي أو الاستحمام مراراً وتكراراً، لدرجة قد تسبب التهابات وتشققاً للجلد. والتطهير المبالغ فيه مثل مسح وتعقيم الأسطح بشكل مستمر وبمواد كيميائية قوية حتى وإن كانت نظيفة بالفعل والترتيب والتنظيم القهري وهو الحاجة إلى وضع الأشياء بترتيب وتناسق «مثالي»، والشعور بالقلق الشديد إذا لم يتحقق ذلك.
إن المصاب بهذا الهوس يدرك غالباً أن مخاوفه غير واقعية، لكنه يشعر بإلزامية أداء الطقوس القهرية لتجنب «كارثة» يتخيلها عقله، ما يهدر ساعات طويلة من يومه ويؤثر على إنتاجيته وعلاقاته الاجتماعية.
الأسباب الجينية والبيئية
لا يوجد سبب واحد وواضح لاضطراب الوسواس القهري، لكن النظريات تشير إلى مزيج من العوامل منها البيولوجية مثل أن يكون الاضطراب ناتجاً عن خلل في كيمياء الدماغ، وتحديداً في مستويات الناقل العصبي السيروتونين. أما العوامل الجينية فيزداد خطر الإصابة إذا كان أحد الوالدين أو أفراد العائلة الآخرين يعاني من الاضطراب. ويمكن أن تؤدي الأحداث الحياتية المسببة للتوتر، أو التعرض لصدمات نفسية، أو بيئة عائلية تتسم بالصرامة المفرطة والدقة القاسية، إلى إثارة هذه الأفكار القهرية.
طرق العلاج الفعالة
الخبر الجيد هو أن هوس التنظيف، كشكل من أشكال الوسواس القهري، هو قابل للعلاج بنجاح كبير. العلاج لا يتعلق بوقف التنظيف تماماً، بل بتعليم المريض كيفية التحكم في استجابته للوساوس وتقليل القلق.
أبرز طرق العلاج الموصى بها تشمل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وهو العلاج الأكثر فعالية، خصوصاً من خلال تقنية التعرض ومنع الاستجابة (ERP). ثم التعرض ومنع الاستجابة (ERP) يقوم المعالج بتعريض المريض تدريجياً وبشكل آمن للمواقف أو المحفزات التي تسبب له الخوف (مثل لمس مقبض باب «ملوث»)، ثم يمنع من أداء الطقوس القهرية المعتادة (مثل غسل اليدين). بمرور الوقت، يتعلم الدماغ أن الخطر المتوقع لا يحدث، وبالتالي يقل القلق وتقل الحاجة إلى السلوك القهري. وقد يصف الطبيب النفسي أدوية مضادة للاكتئاب من فئة مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، التي تساعد على إعادة توازن كيمياء الدماغ، وغالباً ما تستخدم بجرعات أعلى من تلك المستخدمة في علاج الاكتئاب.