طب وصحة

ثورة طبية..”أنبوب أجوف” يوقف موت الدماغ و 1.9 مليون خلية عصبية في الدقيقة!

كريترنيوز /متابعات /رشا عبد المنعم

على الرغم من كل التقدم الهائل الذي حدث في علاج ضحايا السكتة الدماغية على مدار العقدين الماضيين، لا تزال بعض المخاوف ثابتة تقريباً.

 

ففي مجال الطب، يُردد الخبراء مقولة: “الوقت هو الدماغ”، ما يعني أن كل لحظة تمر دون علاج السكتة الدماغية، يتصاعد احتمال تلف الدماغ على المدى الطويل أو الوفاة.

 

في الواقع، يقول الخبراء إن كل دقيقة يذهب فيها الدماغ دون تدفق للدم، يفقد المريض العادي حوالي 1.9 مليون خلية عصبية (نيورون) وما يقارب أسبوعاً من الحياة المستقلة.

 

وبما أن الغالبية العظمى من السكتات الدماغية هي سكتات إقفارية (Ischemic) – أي ناتجة عن جلطة دموية تسد تدفق الأكسجين إلى الدماغ – فإن إزالة هذه الجلطة بسرعة أمر بالغ الأهمية، خاصةً الجلطات الأكثر كثافة التي ظلّت مهمة صعبة المنال حتى الآن، مما استدعى ظهور حلول جذرية.

 

في ضوء التحديات السابقة، طُورت تقنية حديثة في جامعة ستانفورد تحمل القدرة على تغيير مسار علاج مرضى السكتة الدماغية.

 

الجهاز الجديد، المسمى “المغزل الميكروني” (milli-spinner)، هو عبارة عن أنبوب أجوف دقيق يدور بقوة، وقد أظهرت الاختبارات المعملية قدرته على ضغط وتقليص حجم الجلطات الدموية بشكل كبير، مما يسهل إزالتها بسرعة وفعالية، وغالباً من المحاولة الأولى.

 

ويقول غريغ ألبرز، مدير مركز السكتات الدماغية بجامعة ستانفورد، إن هذا الجهاز قد “يغير قواعد اللعبة”، فنتائجه ستترجم بشكل جيد إلى التجارب السريرية.

 

إن الأساليب الحالية لـ استئصال الخثرة الميكانيكي ليست مصممة بالأساس لتقليل حجم الجلطات، لكن يبدو أن المغزل الميكروني يفعل ذلك بشكل روتيني، وبسرعة فائقة، أحياناً في غضون ثوانٍ معدودة.

 

في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature، سجل المغزل الميكروني أرقاماً أولية جريئة؛ ففي اختبارات نماذج التدفق ، أظهر الجهاز قدرة على تقليص الجلطات بنسبة تصل إلى 95%.

 

ويشير الدكتور جيريمي هيت، رئيس قسم التدخل العصبي في ستانفورد والمؤلف المشارك، إلى أنهم كانوا “يضاعفون فعالية التكنولوجيا الحالية” من حيث فتح الشريان.

 

عند وضعه بالقرب من الجلطة، يُسلِّط المغزل الميكروني قوى الضغط والقصّ لتحرير خلايا الدم الحمراء من مادة الفيبرين الكثيفة، وهي ظاهرة وصفتها المهندسة رينيه تشاو (مصممة المغزل الميكروني) بأنها “سحر”، حيث يتقلص حجم الجلطة بشكل كبير ويصبح من السهل إزالتها.

 

ويصف الدكتور هيت العملية بأنها “سريعة بشكل لا يُصدق”، حيث يقوم الجهاز “بغزل الكتلة إلى جلطة صغيرة جدًا، ومن ثم يتم شفطها عبر القسطرة في ثوانٍ”.

 

تُعد السكتات الدماغية خامس سبب رئيسي للوفاة في الولايات المتحدة، والغالبية العظمى منها (حوالي 9 من كل 10 حالات) هي سكتات إقفارية.

 

ورغم العلاج بالأدوية أو الاستئصال الميكانيكي، لا تزال التقنيات الحالية تواجه الفشل، سواء بسبب حجم الجلطة الكبير، أو التزامها الشديد بجدار الوعاء، أو بسبب تفتت الجلطة أثناء محاولة السحب، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأضرار العصبية.

 

وتشير تشاو إلى أن المغزل الميكروني “يمنع حدوث التجزئة”، على عكس أجهزة الشفط والدعامات التي تحمل خطراً عالياً لتوليد التجزئة. وحيث أن نجاح إزالة الانسداد في المحاولة الأولى يرتبط بنتائج سريرية أفضل، فإن الأداء المبهر للمغزل الميكروني يثير آمالاً واسعة.

 

يقول ماريش جايارامان، رئيس قسم التصوير التشخيصي في جامعة براون، إن هذا الاختراع لديه “القدرة على إحداث ثورة كبيرة” في المجال إذا ثبتت سلامته وفعاليته على البشر.

 

والمثير للدهشة أن المهندسة تشاو وزملاءها لم يكونوا يحاولون حل مشكلة الجلطات بالذات في البداية، بل كانوا يعملون على الروبوتات المليمترية (millirobots) التي تسبح في مجرى الدم، ولاحظوا أن دوران هذه الروبوتات يولد “شفطاً موضعياً قوياً للغاية” يمكن استغلاله لشفط الجلطات.

 

وقد أثبت المغزل الميكروني فعاليته بنسبة 100% في إزالة الجلطات في نماذج المختبر، ونجح في استعادة تدفق الدم في الخنازير بنسبة 90.3% في المحاولة الأولى، وهو ما يقارب ضعف المتوسط الذي تحققه تقنية الشفط.

 

وفيما تُعدّ التجارب السريرية على البشر هي الخطوة التالية الحاسمة، والتي قد تكشف عن نتائج مختلفة عما تم التوصل إليه في التجارب المبكرة، يقول الدكتور هيت إنه يتوقع أن يكون الجهاز “تحولاً جذرياً” سينقذ عشرات الآلاف من الأرواح سنوياً.

 

ويؤكد الخبراء، مثل كولين ديردين من جامعة فيرجينيا، أن نجاح المغزل الميكروني سيحسن معدلات إعادة القناة (recanalization)، ما سيؤدي إلى نتائج أفضل للمرضى الذين يعانون من السكتات الدماغية والنوبات القلبية والانسداد الرئوي.

 

وفي النهاية، يعتقد الباحثون أن هذا الجهاز يمثل مجرد البداية، إذ يخططون لتطوير نسخة روبوتية غير مقيدة قادرة على السباحة داخل الأوعية الدموية لعلاج الجلطات وتمدد الأوعية الدموية وغيرها من الحالات، وقد أسس الفريق بالفعل شركة للمضي قدماً في التجارب السريرية.

زر الذهاب إلى الأعلى