طب وصحة

طبق الطعام اليومي قنبلة مناخية موقوتة

كريترنيوز /متابعات /عماد الدين إبراهيم

 

أصبح طبق الطعام الذي نتناوله يومياً ساحة معركة حقيقية تحدد مستقبل كوكبنا. ففي تقرير صادم، اتهمت لجنة «إيت-لانسيت» البشرية بالفشل في معالجة قضية وجودية: وهي العلاقة الكارثية بين أنظمتنا الغذائية الحالية وأزمة المناخ المتصاعدة. ويؤكد الخبراء أن الإفراط في الاعتماد على الأطعمة غير المستدامة، وعلى رأسها اللحوم الحمراء، ليس مجرد خيار شخصي، بل هو عامل أساسي يغذي الفيضانات والعواصف والكوارث الطبيعية التي تودي بحياة الأبرياء.

 

الانبعاثات تأتي من طبقنا

تحذر اللجنة من أنه حتى لو نجح العالم في التخلي عن الوقود الأحفوري بالكامل، فإن استمرارنا في أنظمتنا الغذائية الحالية سيجعلنا عاجزين عن تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.

الحيوانات المجترة هي المتهم الأول، حيث ينتج قطاع الماشية، خاصة الحيوانات المجترة كالأبقار والأغنام، كميات هائلة من غاز الميثان (Methane)، وهو غاز دفيء أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون. ويفيد التقرير بأن 53% من الغازات الدفيئة غير ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الزراعة تأتي من هذه الحيوانات. هذا المزيج من الانبعاثات الهائلة والإخفاق في معالجة مصادرها الغذائية يضع البشرية أمام تحدٍ مزدوج: الصحة العامة وسلامة الكوكب.

 

التناقض العالمي

يسلط التقرير الضوء على التفاوت الصارخ في استهلاك الغذاء حول العالم، حيث تستهلك الدول الغنية كميات أكبر بكثير من حصتها العادلة من الأغذية ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة (اللحوم الحمراء والمنتجات الحيوانية). في المقابل، يفتقر أكثر من نصف سكان العالم إلى التغذية الصحية، ما يؤدي إلى «عواقب وخيمة للصحة العامة والمساواة الاجتماعية». تستمر معدلات السمنة في الارتفاع عالمياً بالتوازي مع نقص التغذية، في مفارقة مأساوية.

يوضح يوهان روكشتروم، الرئيس المشارك في لجنة «إيت-لانسيت»، أن «تحويل الأنظمة الغذائية… شرط أساسي لإتاحة الفرصة أمام العودة إلى نظام مناخي مستقر وكوكب صحي».

 

النظام الغذائي الصحي

تدعو اللجنة إلى التحول العاجل إلى ما أطلقت عليه اسم «النظام الغذائي الصحي الكوكبي»، وهو نموذج مرن يهدف إلى حماية الأرواح والكوكب معاً.

هذا النظام ليس وصفة واحدة جامدة، بل إطار عمل مرن يتوافق مع مجموعة واسعة من الأطعمة والثقافات والتقاليد الغذائية، لكنه يفرض ضرورة التغيير الجذري في المكونات الأساسية للغذاء العالمي.

إنتاج الغذاء الحالي لا يهدد المناخ فحسب، بل هو العامل الرئيسي لتجاوز «حدود الكوكب» البيئية الأخرى، بما في ذلك اضطرابات دورات النيتروجين والفوسفور الناتجة عن الاستخدام المفرط للأسمدة في الزراعة كثيفة الإنتاج.

ويختم واضعو الدراسة تحذيرهم بالقول: «يستمر الضغط الذي تفرضه النظم الغذائية على حدود الكوكب، ولا يظهر أي علامات على التراجع». هذا التقرير هو دعوة أخيرة لربط صحة البشر بصحة الأرض، وتغيير عاداتنا الغذائية قبل أن تغير الكوارث الطبيعية حياتنا بشكل لا رجعة فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى