بعد 70 عاماً… دواء الحمل الشهير يكشف أخطر أسراره

كريترنيوز /متابعات /رضا أبوالعينين
تمكّن فريق بحثي في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة من كشف الآلية الجزيئية التي يعمل بها دواء هيدرالازين، وهو أحد أقدم أدوية خفض ضغط الدم وأكثرها استخداماً في علاج مقدمات الارتعاج لدى الحوامل (حالة طبية قد تصيب الحامل بعد الأسبوع العشرين وتتمثل في ارتفاع ضغط الدم وظهور علامات تلف في أحد الأعضاء، وغالباً الكلى أو الكبد)، وذلك بعد سبعة عقود من اعتماده في الممارسة الطبية.
المفاجأة الكبرى التي توصل إليها العلماء هي أن الدواء ذاته قادر أيضاً على إيقاف نمو أحد أكثر أنواع سرطان الدماغ فتكاً، وهو الورم الأروميّ الدبقي (Glioblastoma).
وعلى الرغم من الاستخدام الواسع للهيدرالازين منذ خمسينات القرن الماضي كخط دفاع أول ضد ارتفاع ضغط الدم الخطير أثناء الحمل، المسؤول عن 5 إلى 15% من وفيات الأمهات عالمياً، فإن آلية عمله الجزيئية بقيت غامضة، وفقا لموقع scitechdaily.
الدكتور كيوسكي شيشيكورا، العالم والطبيب في جامعة بنسلفانيا، يشير إلى أن الدواء طُوّر في “حقبة ما قبل اكتشاف الأهداف الجزيئية”، حين كانت الأدوية تُعتمد بناءً على تأثيراتها السريرية قبل فهم كيفية عملها على المستوى الخلوي.
الدراسة الجديدة التي نُشرت في دورية Science Advances توصلت إلى أن الهيدرالازين يثبّط إنزيماً حساساً للأكسجين يُعرف باسم 2-أمينوإيثانثيول ديوكسيجيناز (ADO)، وهو بمثابة مفتاح جزيئي يحدّد متى يجب أن تنقبض الأوعية الدموية، وعندما يعطَّل هذا الإنزيم، تتراكم بروتينات تنظّم إشارات التضيّق الوعائي، فتتلقى الأوعية إشارة “إيقاف الانقباض”، ما يؤدي إلى استرخائها وانخفاض ضغط الدم.
لكن الجانب الأكثر إثارة كان اكتشاف أن المسار البيولوجي نفسه الذي يتحكم بانقباض الأوعية يلعب أيضاً دوراً محورياً في قدرة خلايا أورام الدماغ على البقاء في بيئات منخفضة الأكسجين، وهي سمة معروفة لأورام الغليوبلاستوما.
وبالتعاون مع جامعات تكساس وفلوريدا، استخدم الباحثون تقنيات التصوير البلوري بالأشعة السينية لإثبات ارتباط الهيدرالازين مباشرة بمركز الفلز داخل إنزيم ADO، ثم اختبروا تأثيره على خلايا سرطان الدماغ.
وأظهرت النتائج أن الهيدرالازين لا يقتل الخلايا السرطانية مباشرة، بل يدفعها إلى حالة الشيخوخة الخلوية، وهي وضع “سبات” يتوقف فيه انقسام الخلايا من دون إثارة الالتهاب أو تعزيز المقاومة للعلاجات التقليدية، ما يؤدي عملياً إلى إيقاف نمو الورم.
وتوضح الباحثة المشاركة ميغان ماثيوز أن فهم هذه الآلية يفتح الباب أمام تطوير علاجات أكثر أماناً وفعالية لكل من اضطرابات الحمل والأورام الدماغية، مشيرة إلى أن مقدمات الارتعاج لا تزال تؤثر على النساء السود في الولايات المتحدة بشكل غير متناسب، ما يجعل اكتشاف آليات علاج أكثر انتقائية أمراً بالغ الأهمية.
ويعمل الفريق حالياً على تصميم مثبطات جديدة للإنزيم ADO تكون أكثر دقة واستهدافاً، مع قدرة أفضل على عبور الحاجز الدموي الدماغي للوصول مباشرة إلى أنسجة الأورام.
ويؤكد الباحثون أن هذا النوع من الاكتشافات يعكس الإمكانات الكامنة في إعادة تقييم الأدوية القديمة، التي قد تفتح آفاقاً علاجية غير متوقعة في مجالات صحية معقدة.