جيم لوفيل وأبولو 13.. كيف تحول الفشل إلى أسطورة نجاح في تاريخ ناسا؟

كريترنيوز/ متابعات/وائل زكير
في 8 أغسطس 2025، رحل عن عالمنا جيم لوفيل، أحد أعظم رواد الفضاء في التاريخ الأمريكي. رحل رجلٌ عاصر لحظات قمة التحدي والإصرار في برنامج الفضاء، وقاد واحدة من أشهر المهمات الفضائية التي تحولت من كارثة محتملة إلى قصة نجاح مدهشة عرفت بـ “الفشل الناجح”.
من هو جيم لوفيل؟
يُعتبر جيمس أرتشر لوفيل الابن، المعروف باسم جيم لوفيل، واحدًا من أعظم رواد الفضاء في تاريخ وكالة ناسا والولايات المتحدة الأمريكية. وُلد في 25 مارس 1928 في مدينة كليفورد بولاية ويسكونسن الأمريكية، حيث نشأ في بيئة عسكرية متشددة عززت فيه روح الانضباط والشجاعة . التحق بأكاديمية البحرية الأمريكية وتخرج عام 1950، ليبدأ مسيرته كطيار مقاتل في البحرية الأمريكية، قبل أن يُختار ضمن الجيل الثاني من رواد الفضاء في ناسا عام 1962.
بداياته ومسيرته العسكرية
تميز لوفيل بمهارات طيرانية استثنائية، ما أهله للانضمام إلى برنامج الفضاء الأمريكي. خلال عمله كطيار مقاتل، برزت قدراته في القيادة والتخطيط، مما دفع وكالة ناسا إلى اختياره للمشاركة في مهام فضائية حرجة ومرموقة.
رحلاته الفضائية الأولى
كانت أولى مهام لوفيل الفضائية في برنامج جيميني، حيث شارك في مهمة جيميني 7 عام 1965 مع زميله فرانك بوردن، وقضى خلالها 14 يومًا في مدار الأرض، مثبتًا قدرة الإنسان على تحمل الفضاء لفترات طويلة . ثم شارك في مهمة جيميني 12 عام 1966، والتي كانت آخر مهمة ضمن البرنامج، وأجرى خلالها تدريبات على المشي في الفضاء.
في عام 1968، أصبح لوفيل أحد أول ستة أشخاص يطوفون حول القمر في مهمة أبولو 8 التاريخية، والتي كانت أول رحلة مأهولة تدور حول القمر، ما مهد الطريق لمهام الهبوط عليه وفقا لوكالة ناسا.
أبولو 13: الفشل الناجح
في أبريل 1970، قاد جيم لوفيل مهمة أبولو 13 التي كانت تهدف إلى الهبوط على سطح القمر. لكن بعد انفجار خزان الأكسجين في المركبة، تعرض الطاقم لخطر داهم أثناء وجودهم بعيدًا عن الأرض بحوالي 320,000 كيلومتر . رغم الموقف الحرج، أظهر لوفيل رباطة جأش استثنائية، وقاد فريقه بالتعاون مع مركز التحكم الأرضي لإدارة الأزمة، وإيجاد حلول مبتكرة نجحت في إنقاذ الطاقم والعودة بهم سالمين إلى الأرض، ما جعل المهمة مثالًا حيًا على “الفشل الناجح” وفقا لمجلة “People” الأمريكية.
ورافق جيمس لوفيل في مهمته الأشهر، أبولو 13، جون “جاك” سويجرت وفريد هايس، بهدف أن يكونوا ثالث فريق تابع لوكالة ناسا يهبط على سطح القمر.
لكن بعد 55 ساعة و55 دقيقة و4 ثوانٍ من الإقلاع، انفجر أحد خزانات الأكسجين وتعطل الآخر، ليدرك الطاقم الكارثة على بُعد 240 ألف ميل من الأرض. عندها أرسل لوفيل رسالته الشهيرة إلى مركز التحكم: “هيوستن، لقد واجهنا مشكلة”.
على مدار ثلاثة أيام، خاض رواد الفضاء سباقًا مع الزمن وسط نقص حاد في المياه والطاقة وارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، قبل أن يعودوا بسلام إلى المحيط الهادئ بعد ستة أيام في الفضاء.
أشاد العالم بمهارة لوفيل وهدوئه تحت الضغط، ووصفت المهمة لاحقًا بـ “الفشل الناجح”، بفضل إبداع مهندسي ناسا وروادها. وقال شون دافي، القائم بأعمال مدير ناسا، إن “قوة لوفيل الهادئة وسرعة بديهته ساعدت على إنقاذ الطاقم، وأسهمت في توجيه مهام الوكالة المستقبلية”.
أمضى لوفيل 715 ساعة في الفضاء قبل تقاعده عام 1973، وقد منحه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وسام الحرية الرئاسي عام 1970، ثم منحه الرئيس بيل كلينتون وسام الشرف الفضائي للكونغرس عام 1995.
بعد مسيرته في ناسا، تولى عام 1975 منصب الرئيس التنفيذي لشركة باي-هيوستن لقطر السيارات، وشغل مناصب قيادية في شركات اتصالات، قبل أن يؤسس شركته الاستشارية “لوفيل كوميونيكيشنز”. ورغم أن أبولو 13 كانت آخر مهامه، ولم تطأ قدماه القمر، فقد صرّح عام 2020 لصحيفة ميلووكي جورنال سنتينل: “أدركت أنني لم أهبط على القمر، لكن إعادة الطاقم من كارثة كانت انتصارًا من نوع آخر”.
تزوج جيم لوفيل من مارغريت، وأنجبا أربعة أبناء. كان معروفًا بتواضعه وحرصه على الحفاظ على توازن بين حياته المهنية وشؤونه العائلية، كما عمل على نقل خبراته للجيل الجديد من رواد الفضاء.
ساهم لوفيل في تأليف كتاب “القمر الضائع” (Lost Moon) الذي يوثق تفاصيل مهمة أبولو 13 من منظوره الشخصي. وقد تم تحويل هذا الكتاب إلى فيلم سينمائي شهير عام 1995 تحت عنوان Apollo 13، حيث لعب الممثل توم هانكس دور جيم لوفيل .