تكنولوجيا

ثورة رقمية في ألبانيا.. كيف يحارب الذكاء الاصطناعي الفساد؟

كريترنيوز /متابعات

بينما تنشغل العواصم الأوروبية بالجدل حول مخاطر الذكاء الاصطناعي وحدوده، تسير ألبانيا في اتجاه مختلف، إذ تتبنى التكنولوجيا كأداة لتسريع إصلاحاتها الداخلية وتعزيز فرصها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030.
وتشهد ألبانيا تحولًا رقميًا غير مسبوق، إذ تتبنى الحكومة الذكاء الاصطناعي كأداة رئيسية لتعزيز الشفافية والحد من الفساد الذي طال المؤسسات الحكومية لعقود. من خلال بوابة “ألبانيا الإلكترونية”، يتمكن المواطنون من إنجاز المعاملات الرسمية مثل المستندات الضريبية وشهادات الميلاد والتراخيص بسهولة، بمساعدة موظف افتراضي يعمل بالذكاء الاصطناعي.
كما تستخدم الدولة التكنولوجيا في مراقبة الإنفاق العام، وتحليل المعاملات الضريبية، وإدارة المرور، وحتى الترحيب بالقادة والزوار الدوليين بلغاتهم الخاصة. هذه المبادرة تمثل نموذجًا مبتكرًا للحكومات الرقمية، بينما يسعى رئيس الوزراء إدي راما إلى جعل الذكاء الاصطناعي رافعة رئيسية في طريق ألبانيا نحو الاتحاد الأوروبي.
الذكاء الاصطناعي بديلاً عن الفساد والمحسوبية
رئيس الوزراء الألباني، إدي راما، يرى في الذكاء الاصطناعي وسيلة حاسمة للقضاء على الفساد المزمن الذي يعصف بالمؤسسات الحكومية. فقد صرّح خلال مؤتمر صحفي في يوليو أن بلاده قد تشهد يومًا ما وزارة تُدار بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، معتبرًا أن ذلك قد يُنهي المحسوبية ويعزز الشفافية. كما أشار إلى إمكانية تطوير نماذج لاختيار وزراء افتراضيين، ما قد يجعل ألبانيا أول دولة يقود حكومتها الذكاء الاصطناعي.
الفكرة أثارت جدلاً واسعًا. فبينما يرى بعض السياسيين أن الحكومات المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد تقدم خدمات عامة بكفاءة أعلى من البشر، تحذر أصوات معارضة من المخاطر الكامنة. النائبة المعارِضة جوريدا تاباكو وصفت الذكاء الاصطناعي بأنه “أداة لا معجزة”، محذرة من أن ترك برمجة الخوارزميات في أيدي شبكات المصالح نفسها قد يحوّل التقنية إلى “قناع رقمي يخفي نفس الفساد القديم”.
استخدامات الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة
ألبانيا تقدمت بشكل ملموس نحو التحول الرقمي. فقد أعلن راما رغبة الحكومة في أن تصبح البلاد خالية من النقد بحلول عام 2030، واعتمدت المدفوعات الرقمية بالكامل. وجرى نقل نحو 95% من خدمات المواطنين إلى الإنترنت عبر بوابة “ألبانيا الإلكترونية”، حيث يستقبل المستخدمين موظف عام افتراضي يعمل بالذكاء الاصطناعي، يساعدهم في تقديم المستندات الضريبية، تنزيل شهادات الميلاد، والتقدم بطلبات التراخيص والتصاريح.
وعلى الرغم من هجمات إلكترونية استهدفت المنصة، إلا أن الحكومة تمكنت من إدارة نحو 49 مليون معاملة خلال خمس سنوات، مما وفر على المواطنين المقيمين في البلاد وخارجها أكثر من 600 مليون يورو.
الذكاء الاصطناعي على مستوى الدبلوماسية الأوروبية
التكنولوجيا لم تُستخدم فقط داخليًا، بل ظهرت على المستوى الدبلوماسي أيضًا. في مايو/أيار، استقبلت ألبانيا نحو 47 رئيس دولة وحكومة خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية، حيث عُرض عليهم فيديو ترحيبي بالذكاء الاصطناعي بلغة كل ضيف، ما أعطى صورة حديثة ومبتكرة عن الدولة الأوروبية الناشئة.
أداة للتقارب مع أوروبا
على صعيد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تعوّل ألبانيا على الذكاء الاصطناعي للإسراع في عملية مواءمة تشريعاتها مع قوانين الاتحاد الأوروبي، وهي عملية معقدة تضم أكثر من ربع مليون صفحة. ومنذ بدء المفاوضات عام 2022، استعانت الحكومة بخبرات ميرا موراتي، الرئيسة السابقة للتكنولوجيا في OpenAI والمولودة في ألبانيا، لدعم جهود الترجمة والتحليل.
ويؤكد راما أن الهدف هو تقليص مدة العملية إلى خمس سنوات بدلًا من سبع، مع استكمال الملفات الفنية بحلول عام 2027. ورغم إقرار الخبراء بقدرة الذكاء الاصطناعي على تسريع الجوانب التقنية، فإنهم يشددون على أن الانضمام للاتحاد الأوروبي يظل بالدرجة الأولى عملية سياسية تحتاج إلى إشراف بشري مباشر.
بهذه المقاربة، تحاول ألبانيا أن تجعل من الذكاء الاصطناعي رافعة سياسية واقتصادية تعيد رسم صورتها في الداخل والخارج.

زر الذهاب إلى الأعلى