تكنولوجيا

“غزل البنات” في الفضاء .. اكتشاف فلكي يقلب المفاهيم!

كريترنيوز / رضا أبوالعينين

في اكتشاف فلكي يثير الدهشة، أعلن فريق من علماء الفلك عن رصد كوكب غازي عملاق أطلق عليه اسم TOI-4507 b، يتميّز بخصائص غير مسبوقة تجعله أشبه بما يصفه العلماء بـ”كوكب غزل البنات”، في إشارة إلى خفّته وانتفاخه الشديد، المفارقة أن هذا الكوكب الجديد أكبر من كوكب المشتري حجما، لكنه يزن أقل من عُشر كتلته، وهو ما يجعله من أغرب الأجرام المكتشفة في مجرّتنا حتى الآن.
الكوكب الذي يبعد عن الأرض نحو 578 سنة ضوئية يدور حول نجم فتيّ يبلغ عمره نحو 700 مليون سنة فقط، أي أنه حديث نسبيا بمقاييس الزمن الكوني. وقد تم تأكيد وجوده من خلال بيانات القمر الصناعي الأمريكي TESS المخصص لمسح الكواكب خارج المجموعة الشمسية، بالتعاون مع التلسكوب ASTEP في القارة القطبية الجنوبية. وتُعد هذه النتائج واحدة من أكثر الحالات إثارة للجدل في علم الكواكب الحديثة، بحسب الدراسة التي نُشرت حديثًا على موقع arXiv العلمي.
ورغم ضخامة حجمه، فإن TOI-4507 b يتمتع بكتلة منخفضة للغاية، إذ يبلغ قطره نحو تسعة أضعاف قطر الأرض، لكنه لا يتجاوز 30 ضعف كتلتها. هذه النسبة تعني أن الكوكب يماثل المشتري في الحجم تقريبا، لكنه أخفّ منه بكثير، ما يجعله من أقل الكواكب كثافةً التي تم رصدها حتى الآن. ولهذا يُصنف ضمن فئة نادرة تُعرف باسم “الكواكب الفائقة الانتفاخ” (Super-Puffs)، وهي كواكب تملك أغلفة جوية ضخمة وواسعة جدا مقارنة بكتلتها الصغيرة.
العلماء اعتادوا تفسير مثل هذه الحالات بظاهرة تُعرف باسم التسخين المدّي، حيث تُؤدي قوى الجاذبية الناتجة عن المدار الإهليلجي إلى تمدد الكوكب وتسخين باطنه، مما يؤدي إلى انتفاخ غلافه الجوي. لكن المفاجأة في حالة TOI-4507 b هي أن مداره بعيد جدا عن نجمه، بحيث لا يمكن لهذا العامل تفسير تمدده الغريب، ما جعل الفريق العلمي يعيد النظر في الفرضيات السائدة حول تكوين الكواكب الغازية.
ولم يقتصر الغموض على خصائص الكوكب الفيزيائية فحسب، بل امتد إلى سلوكه المداري؛ إذ كشفت الملاحظات أنه يدور في مدار شبه قطبي يميل بزاوية تقارب 90 درجة عن مستوى دوران النجم نفسه، في ظاهرة نادرة توحي بأن النظام تعرض في الماضي إلى اضطراب كبير أو تصادم هائل أدى إلى إزاحة القرص الكوكبي عن محوره الطبيعي.
وقد استبعد العلماء احتمال أن يكون حجم الكوكب مضخّما بسبب وجود حلقات ضخمة تشبه تلك التي تحيط بزحل، إذ تبيّن أن حرارة الكوكب مرتفعة جدا بحيث لا يمكن لأي نظام حلقات أن يبقى مستقرا حوله لفترة طويلة. وبهذا، يبدو أن انتفاخه الحقيقي ناتج عن طبيعة غلافه الجوي وليس عن ظاهرة بصرية.
ويأمل الباحثون أن تساعد الملاحظات المستقبلية لتلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) في تحليل تركيب الغلاف الجوي للكوكب وكشف أسرار نشأته، مؤكدين أن هذا الاكتشاف قد يفتح بابا جديدا لفهم كيفية تشكّل العوالم الغريبة في مجرتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى